خلق الخلق ليرحمهم لا ليعذبهم ، ويتخذ البعض من هذا التصوّر مبرّرا للذنوب التي يمارسها ، كلّا .. يقول تعالى :
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ)
بلى. إنّ الغضب الالهي عذاب للأقوام التي يحلّ بها ، ولكنّه في ذات الوقت نذير للّاحقين ، فلا يعتمدوا إذن على التمنّيات ، ليتفكّروا في التاريخ ، وليذكّروا آياته الواعظة المنذرة ، والاستفهام الوارد في الآية يفيد التعظيم ، ويستهدف استثارة العقل نحو الموعظة بوقعه الخاص ، ذلك أنّ الاستفهام بحاجة إلى وقفة تفكّر وتدبّر.
[١٧] وتلك الآية وآية العذاب ، وما تنطوي عليه قصة نوح مع قومه من نذر ، تلتقي مع القرآن في هدف واحد هو التذكرة ، إذن فهي الهدف الأسمى للقرآن ، وإليها تهدي كلّ سوره وآياته ومفرداته ، ولكن كيف يحقّق القرآن هذا الهدف؟ وكيف ينفذ إلى أعماق ضمير الإنسان وعقله ، ويخترق حجب الهوى والغفلة والجهل التي تلوث فطرته ، وتستر عقله عن الحق؟ لا بدّ أن يكون ميسّرا بعيدا عن العسر والتعقيد للأسباب التالية
أوّلا : لأنّه كلام الخالق العليم القدير إلى المخلوق الجاهل الضعيف ، وليست ثمّة نسبة بينهما في علم ولا منطق.
ثانيا : لأنّه يحدّث الإنسان عن حقائق كبري في الحياة وفوق الحياة ، بعضها يحسها ويراها والبعض الآخر يغيب عنه.
ثالثا : لأنّ الله أراد لهذا الكتاب الصغير في حجمه الكبير في محتواه أن يكون تبيانا لكلّ شيء يهمّ الإنسان في حاضره ومستقبله ، وفي دنياه وآخرته ، ويرسم له مناهج الحياة في أبعادها المختلفة ، في الشؤون الشخصية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية .. ولقد يسّر ربّنا القرآن إذ