المنطقية عند البشر. إنّهم حاولوا تقييم الرسالة وقيادة الرسول (ص) من خلال مصلحتهم وواقعهم المادي المنحرف ، فما داما لا يلتقيان معهما فليسا بحق. هم أرادوا الرسالة رسالة هوى وتبرير فجاءت بالحق والمسؤولية ، وأرادوا الرسول مثلهم في قيادته ومظهره فوجدوه قدوة الخير والصلاح.
(فَقالُوا)
ويبدو أنّ القائلين هم الملأ المستكبرون الذين كانت قيادة صالح (ع) مناقضة لمصالحهم ، لذلك سعوا جهدهم إلى محاربته ، ويذلّ على ذلك قوله تعالى : (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ) (١) ، وأرادوا بذلك تشكيكهم في شرعية قيادته ، وهنا أرادوا نفس الغاية ، وحيث لم يجدوا سبيلا لمواجهة الرسالة نفسها سعوا إلى النيل من شخصية الرسول ، فقالوا : إنّه ليس مرسلا من قبل الله لأنّ الله لا يرسل بشرا ، وبالتالي فاتباعه ليس واجبا ، وهذه الفكرة تشبه إلى حدّ بعيد قول البعض عن الرسول (ص) أنّه عبقري وحسب ليثبتوا عدم لزوم طاعته ، وقد أضاف قوم صالح إلى ذلك أنّه مثلنا ومن محيطنا ولا شيء يميّزه عنا يدعونا إلى اتباعه ، ثم انه واحد لا مال له ولا أعوان ، فهو مجرّد عن عوامل القوة التي تبعثنا إلى طاعته والخضوع له ، وقد يكون معنى «واحِداً» أنّه جاء بنظام سياسي يدعو إلى قيادة موحدة ، ونبذ النظم النظم القبلية والعشائرية القائمة على أساس تعدّد القيادات ، والتي تفسح المجال لكلّ مترف ومستكبر لممارسة شهوة الرئاسة ، وهذا لا يتفق مع أهوائهم ، كما قال كفّار قريش : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) (٢)
(أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ)
__________________
(١) الأعراف / (٧٥).
(٢) ص / ٥