واعتبروا اتباعه مع هذه الصفات ضربا من التيه ، بل الجنون ، واعترافا صريحا منهم بخطإ سيرتهم الماضية ، إضافة إلى كونه يجرّدهم من الرئاسة ، ولذلك رفضوا قيادته واتباعه.
(إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ)
السعر هو الجنون الشامل المستمر ، والحق أنّ هذه كلّها مقاييس باطلة لا تصلح لتشخيص القيادة الحقيقية في المجتمع ، إنّما الكفاءة الادارية والعملية والسياسية ، ومدى الالتزام بالحق (التقوى) ، والتصدي الفعلي للقيادة ، ثم إذن الله وإعطاؤه الشرعية هي المقاييس الصادقة للرئاسة.
[٢٥] بلى. إنّهم اعتبروا الوجاهة الاجتماعية ، وكثرة المال والأتباع ، هي المقاييس ، ولو تجرّد صاحبها عن الكفاءة والتقوى ، وهذه متوفّرة لديهم ، وهذا منطق المترفين والمستكبرين على مرّ التاريخ ومع كلّ الأنبياء والمرسلين ، «وَقالُوا» لرسولنا الأعظم «لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ». (١)
وهكذا قال مترفو بني إسرائيل من قبل ، قال الله عزّ وجلّ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ). (٢)
وهذه بالضبط هي كانت مقاييس قوم صالح ، لذلك استنكروا أن يصطفيه الله
__________________
(١) الزخرف / ٣١
(٢) البقرة / ٢٤٦ ـ ٢٤٧