وحينما يرسل الله الآيات المادية الواضحة إلى قوم أو أمّة من الأمم فإنّ ذلك دليل على أنّه يريد حسم الموقف بعذاب الاستئصال إذا كذّبوا بها ، ولقد كانت الناقة آية مبصرة إلّا أنّها في نفس الوقت كانت صعبة على نفوسهم المنحرفة ، ومن طبيعة الإنسان أنّه حينما يواجه أمرا صعبا يفرز حالة نفسية يضخّم بسببها ذاته ويستهين بذلك الأمر ، فإذا بالقيم السامية والدين يستحيلان إلى شيء حقير عنده ، بلى. قد يكون الأمر ذاته ليس عظيما إلّا أنّ عظمته الحقيقية تكمن في القيم التي يتصل بها ، جاء رجل إلى الامام الباقر (ع) يسأله عن حكم دهن سائل وقعت فيه فأرة ميتة ، فقال له الامام : أرقه ، فقال : الفأرة أهون عليّ من ذلك ، فما ذا كان جواب الامام؟ قال له (بما معناه) : إنّك لم تستخف بالفأرة ، وإنّما استخففت بدينك ، وفي الواقع الاجتماعي أيضا نجد شواهد لهذا الانحراف الخطر عند الإنسان ، فإذا بك تراه لا يحترم العالم ولا يقدّره لا لقلّة علمه ، أو ضعف شخصيته ، وإنّما لأنّ شكله لا يدعوه للاحترام ، ولا يعلم أنّه بذلك يستهين بقيمة العلم لا بالعالم نفسه ، وعلاج هذه الحالة بإيجاد توازن داخل الإنسان بين نفسه وبين القيم ، وذلك بتصوّر العاقبة التي ينتهي إليها هذا الانحراف.
إنّ قوم صالح احتقروا الناقة ، وظنّوا أنّهم أكبر من أن يقدّروها ، ويلتزموا بعهدهم مع النبي (ع) لشأنها ، وبالرغم من تحذيره لهم تآمروا ورضوا بعقرها.
(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ)
قدّار أو أحيمر ، بعد تخطيطهم للمؤامرة ، وكان أشقى القوم وأجرأهم على الحق ، ولعلّ معنى المناداة ليس التنادي بالكلام فقط ، وإنّما أيضا بالرضا وعدم تحمّل مسئولية الدفاع عن الحق ، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومقاومة أهل البغي والطغيان.