قال الامام علي (ع) :
«أيّها الناس! إنّما يجمع الناس الرضى والسخط ، وإنّما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لمّا عمّوه بالرضى ، فقال سبحانه وتعالى : (فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) فما كان إلّا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السكّة المحماة في الأرض الخوّارة» (١).
وكان هذا الفرد يعكس الشخصية الحقيقية لذلك المجتمع ، إذ كان يعبّر ـ بعمله ـ عن ضميرهم الفاسد ، وعزمهم الخائر ، وإرادتهم المشلولة ، وفكرهم الضال ، وغياب المؤسسات الاصلاحية بينهم ، وهكذا حينما تحكم أيّ مجتمع أفكار سلبية فإنّها تتجسّد في قيادة ضالة طاغية ، ونظام سياسي منحرف ، وعاقبة سوأى لا تخص الظالمين أنفسهم بل تطال كلّ أبناءه ، وربما أقدم الشقي على عقر الناقة للوصول إلى حاجة في نفسه هي الرئاسة ، وقد دخل بعمله هذا في صفقة مع المترفين والمستكبرين مباشرة ، ومع المجتمع بصورة غير مباشرة حيث رضوا عنه ولم يمنعوه.
(فَتَعاطى)
لعلّ معناه أنّه استعد للقيام بجريمته ، وأخذ يتعاطى وسائلها ، ويهيء الأجواء لها ، ونستوحي من هذه الكلمة أنّ الجريمة لم تمر بسرعة ، وإنّما احتاجت إلى التآمر ، وهذه طبيعة أكثر الجرائم أنّها تسبقها إرهاصات تمهيدية تعطي الفرصة لأهل الحق بالتصدي لها ، ولقد كان مجتمع ثمود قادرا على مقاومة قدّار بعد أن شاهدوا إرهاصات الجريمة عنده ، ولكنّهم تركوه ، فبدأ عدّهم التنازلي نحو النهاية والعذاب ، ووجد هو الفرصة سانحة لتنفيذ جريمته ، والقرآن في موضع آخر يصوّر طبيعة المجرم
__________________
(١) نهج / خ ٢٠١