هكذا يكرّر الذكر الحكيم آياته وعبره ، ولعلّنا نتنبّه من الجهل والضلال والغفلة ، ولكنّه بالرغم من ذلك لا زال غريبا مهجورا في واقعنا بجميع أبعاده ، فنحن لا زلنا بعيدين عن دعوته للوحدة والعمل ، والاستقامة على الحق ، ومحاربة الجبت والطاغوت ، والاتعاظ بالنذر السالفة.
[٣٣] ومع ذلك ما يبرح يتابع إلينا سورة فسورة ، وآية فآية ، ومثلا فمثلا ، فهذه آياته وقد انتهت من عرض قصة ثمود ، تضرب لنا مثلا آخر عن عاقبة التكذيب بقصة قوم لوط ، الذين تورّطوا أخلاقيّا في الشذوذ الجنسي ، وصاروا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فحذّرهم نبيهم (ع) من هذا الانحراف عن طاعة الله وسنن الحياة ، ولكنّهم لم يعتبروا بمصير الماضين ولا بنصح لوط (ع) ، بل راحوا يكذّبونه ، ويريدون به الشرّ والأذى ، رغم النذر الظاهرة.
(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ)
قيل أنّه من النذر الذين أرادوا الفاحشة بضيف لوط من الملائكة «فأشار إليهم جبرئيل بيده فرجعوا عميانا يلتمسون الجدار بأيديهم» (١).
إلّا أنّ القوم لم يتعظوا بهم ، بل أصرّوا على فسادهم ، وتمادوا في التكذيب ، ولعلّ بعضهم راح يؤوّل عماهم إلى أسباب أخرى ، فهم كما وصفهم في أوّل السورة : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٢).
[٣٤ ـ ٣٥] بلى. إنّهم كذّبوا فما أهملهم الله ، بل أرسل عليهم ريحا محشوّة بالحجارة الصغيرة في بادئ الأمر ، لتكون آخر النذر وعلامة إلى لوط والمؤمنين معه بقرب العذاب ، وربما كان ذلك أواخر الليل ، أمّا العذاب الحقيقي فقد أخّره إلى
__________________
(١) بحار الأنوار / ج (١٨) / ص (٣٤٨).
(٢) القمر / ٢