نفسه وحياته وعلاقاته بكلّ شيء فيها على هذا الأساس ، أمّا إذا انتظر أو سعى لتسير الحياة من حوله بسننها ومقاديرها وخلقها وفق هواه فلن يستطيع الى ذلك سبيلا ، لأنّها ثابتة وأقوى منه ، بل وسيخسر إلى الأبد.
فلا يظن الإنسان إذا أنّه يتحرّك في الفراغ ، كلّا .. إنّ حوله ملايين الأنظمة التي تحصي عليه أخطاءه وأفعاله وأقواله ، وحتى نيّاته مسجّلة عليه تسجيلا دقيقا ، ولهذا يقول الله عزّ وجلّ مبيّنا حال المجرمين حين يرون كتبهم في يوم القيامة : (فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١) وبعد الحساب يلقون جزاءهم إذ يسحبون في النار على الوجوه ، أمّا المتقون فيعطون كتابهم بيمينهم ، أمّا جزاؤهم جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
بينات من الآيات :
[٤١ ـ ٤٢] كما جعل الله للساعة علامات ونذرا تؤذن باقترابها كانشقاق القمر ، فإنّه تعالى أخذ على نفسه أن لا يعذّب أمّة ولا شخصا قبل إقامة الحجة البالغة عليه ، وقبل أن يقدّم له من الأنبياء ونذر البطش ما فيه مزدجر له وهداية لمن أراد (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٢).
ويضع القرآن شاهدا لهذه الحقيقة أمام ضمائرنا وعقولنا هذه المرّة من واقع فرعون وقومه الذين أغرقوا في اليمّ. إنّهم ضلّوا عن الحقّ ضلالا بعيدا ، إذ اعتمدوا نظاما سياسيّا ينطلق من عبادة شخص فرعون ، وينتهج الإفساد والإرهاب والقتل والتضليل ، وكانت هذه الأسباب كافية لأن يمحقهم الله ، أترى أعظم جرم عند الله
__________________
(١) الكهف / (٤٩).
(٢) الإسراء (١٥).