من بشر يقول أنا ربّكم الأعلى؟! كلّا .. ولكنّه أمهلهم ، وأراد لهم الرحمة التي خلقهم من أجلها ، فتابع عليهم الآيات والنذر بلسان موسى وعلى يديه ومن خلال الطبيعة ، بما أبطل به سحرهم ومعتقداتهم الواهية ، وأقام عليهم الحجة البالغة.
(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ)
إنّ الله لم يتركهم حتى يؤمنوا بأنفسهم ، بل ابتدرهم بالهدى الذي بلغ فردا فردا منهم يوم الزينة ، ولم يكتف الله بنذير واحد وهو يكفي حجة عليهم ، إنّما جاءهم بنذر كثيرة بيّنة ، كان من بينها تسع آيات إلى فرعون وقومه ، ولكنّهم كما يصفهم القرآن :
(كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها)
لا لغموض فيها فقد كانت مبصرة ، بل لمرض في قلوبهم ، ولو أنّك بحثت في أعماق نفوسهم لرأيت سلطان الآيات مهيمنا عليها ، ويعلم الله كم تجرّعوا من وخز الضمير الذي يدعوهم للإيمان وهم يصدّون عن الحقّ المبين. إنّهم ما كانوا يقدرون على التكذيب مجرّدا أمام ذلك الوخز لذلك لجأوا إلى التبرير ، وهذه من طبيعة الإنسان حينما يخالف الحق بالرغم من استيقانه به ، «قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا» (١) ، فكانوا عند الله يستحقّون أشدّ العذاب ، وكذلك فعل بهم.
(فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ)
لا يقبل الجور على الحق.
__________________
(١) النمل / (١٣ ـ ١٤).