(مُقْتَدِرٍ)
لا يشكو ضعفا ولا قصورا ، وهذا ما جعل عذابهم قاسيا ، فمرة يكون العزيز غير مقتدر فهو لا يستطيع أن يحيل عزّته فعلا ، ومرّة يكون المقتدر غير عزيز فهو لا يغضب لحرمة قيمه ، وإذا أخذ المخالف له فإنّ أخذه يكون محدودا.
هكذا وبهاتين الآيتين القصيرتين في كلماتهما العميقتين في معناهما يوجز ربّنا قصة قوم لا زالت آثارهم ظاهرة ومثيرة للعجب ، بينما يحتاج الحديث فيها إلى مئات أو آلاف الصفحات ، بل القرآن نفسه تناولها في صفحات وآيات عديدة في مواضع أخرى ، والسبب أنّ القرآن أراد من ذلك التأكيد على السنّة الواحدة التي أجراها على كلّ الأمم وفي مختلف الأمصار بصور شتى ، لكي نعتبر بها ، ونبصر عواقب التكذيب بالحقّ أنّي كان ، وقد اكتفى السياق بإيجاز قصة فرعون التي فصّلها في مختلف السور ، والتي من المفروض أن يعرفها من يتلوا الذكر ، وذلك عبر آيتين تعكسان إعجاز القرآن البلاغي.
[٤٣ ـ ٤٥] ومن شواهد عاقبة المكذّبين في أغوار التاريخ ، ينتقل بنا السياق إلى الحديث عن المجتمع المعاصر للرسالة الاسلامية وموقفهم من الرسالة ، بما هو تأويل لقوله تعالى : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (١) ، وقوله بلسان رسوله شعيب (ع) : (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) (٢). إنّ القصة القرآنية لا تأت للتسلية ، إنّما لتكشف للإنسان عن سنن الحياة من حوله ، فتعطيه تارة إشارة خضراء ترغّبه وتشوّقه ، وتضع بين يديه إشارة حمراء تنذره وترهبه تارة أخرى ، وهو
__________________
(١) هود / (٨٣).
(٢) هود / (٨٩).