بين هذه وتلك يجب أن يشقّ طريقه نحو الحقّ والسعادة ، أمّا إذا تفرّج على وقائع التاريخ ومواعظه ، أو استبعد عن نفسه الجزاء بفكرة تبريرية كالعنصرية والفداء ، أو بالاعتماد على غرور النفس وظنونها وأهوائها ، فسوف يجد نفسه وجها لوجه أمام مصير الماضين ممّن سبقوه بالتكذيب في الدنيا والآخرة ، ولن تغيّر تمنّياته وظنونه من الواقع شيئا ، «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ» (١).
كيف يكذّب الآخرون بالرسالة وهم يبصرون ما نزل بالغابرين عند ما كذّبوا بها؟! إنّهم يستبعدون حلول العذاب بهم اعتمادا على واحد من أمرين :
أوّلا : الثقافة التبريرية ، وأبرز مفرداتها على صعيد التكذيب بالرسالات العنصرية ونظرية الفداء ، ذلك أنّ الإنسان حينما يكذّب حقّا ما ويرفضه يبحث داخليّا أمام ضميره ، وخارجيّا أمام الآخرين ، عن عذر يبرّر له موقفه ، ويستمد منه الشرعية لممارسة الخطأ أو الإصرار عليه.
وربّنا ينسف هذه الثقافة فيقول ـ مخاطبا المعاصرين للإسلام ـ : لما ذا تستثنون أنفسكم من العذاب الذي حلّ بتلك الأقوام؟
(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ)
بعنصرهم وأعمالهم حتى لا ينالهم العذاب؟!
(أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ)
أم هم يملكون كتابا من عند الله يبرّئهم من سوء أعمالهم؟!
كلّا .. فالتكذيب هو التكذيب سواء صدر من أولئك أم منكم ، والسنن الالهية
__________________
(١) ص / (٢٧).