واحدة على مرّ الزمن لا تتحوّل ولا تتبدّل ، وليس عند الله قرابة مع خلقه ، ولو كان نبيّا مرسلا أو ملكا مقرّبا ، ولا ينفع إلّا العمل الصالح ، كما لم تسبق منه كلمة على لسان نبي ولا رسول وفي كتاب من كتبه المنزلة بزكاة أحد أبدا ، حتى يتحصّن بها ضدّ العذاب ، والضلال الذي عليه كفّار المجتمع أيّام رسول الله (ص) ليس بأقلّ من ضلال أولئك ، بل هو أسوء وأبعد.
وإذا كانت ثمّة براءة لأحد في كتب الله فهو ورسوله أعلم بها ، والحال أنّهما ينفيانها.
بلى. حاول النصارى تبرير انحرافهم بفكرة الفداء ، ولكنّهم أضافوا انحرافا جديدا إلى مسيرتهم الضالة إذ أصبحوا بها كفّارا عند الله ، وهكذا زعموا هم واليهود بأنّهم لا يعذّبون مهما ما رسوا من الذنوب ، لأنّ عنصرهم يتصل بالله وينتمي إليه ، ولكنّ القرآن ردّ عليهم هذه المزاعم ردا عنيفا وحازما ، فقال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (١) وانطلاقا من هذه الثقافة الضالّة صاروا يبرّرون لأنفسهم الخيانة والغدر ومختلف الذنوب ، فإذا بهم لا يقيمون وزنا لعهودهم وإيمانهم مع الشعوب الأخرى على أساس أنّهم أميّون ، ولا حرج عليهم إذا نكثوا بهم أو خانوهم : (قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (٢) ، ولكن الله أبطل هذا التبرير فقال : (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (٣).
__________________
(١) المائدة / (١٧ ـ ١٨).
(٢) آل عمران / (٧٥).
(٣) آل عمران / (٧٦).