حينما يسأل الامام علي (ع) عن هذه الآية يجيب : يقول عز وجل : إنا كل شيء خلقناه لأهل النار بقدر أعمالهم (١) وقال الامام الصادق (ع) : «انّها ردّ على القدرية الذين نفوا تقديرات الله ، وفيهم نزلت هذه الآية» (٢) وقد استدلّ البعض بهذه الآية على أنّ أعمال الإنسان هي الأخرى مقدّرة فزعم أنّها تدل على الجبر ، بينما الصحيح أنّ كلّ شيء مقدّر من قبل الله ، ومن تقديراته الاختيار الذي وهبه للإنسان.
والذي يظهر أنّ الآية تثبت أكثر من أيّ فكرة أخرى حكمة الله في الحياة ، التي تهدينا معرفتها إلى الايمان بالمسؤولية ، والدار الآخرة أعظم تجلّياتها ، حيث يحاسب الناس على سعيهم ، ويلقون جزاءهم الأوفى خيرا أو شرّا ، جنة أو نارا ، يقول السيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) : (وإنّ هذا النص القرآني اليسير ليشير إلى حقيقة ضخمة هائلة شاملة ، مصداقها هذا الوجود كلّه ، حقيقة يدركها القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود ، ويتجاوب معه ، ويتلقّى عنه ، ويحس أنّه خليقة متناسقة تناسقا دقيقا ، كلّ شيء فيه بقدر يحقّق هذا التناسق المطلق ، الذي ينطبع ظلّه في القلب جملة وهو يواجه هذا الوجود) ، ويضرب أمثلة للحكمة الالهية في الخلق فيقول نقلا عن كتاب «الله والعلم الحديث» للاستاذ عبد الرزّاق نوفل : (إنّ الجوارح التي تتغذى بصغار الطيور قليلة العدد ، لأنّها قليلة البيض ، قليلة التفريخ ، فضلا على أنّها لا تعيش إلّا في مواطن خاصة محدودة ، وهي في مقابل هذا طويلة الأعمار ، ولو كانت مع عمرها الطويل كثيرة الفراخ مستطيعة الحياة في كلّ موطن لقضت على صغار الطيور ، وأفنتها على كثرتها وكثرة تفريخها ، أو قلّلت من أعدادها الكبيرة اللازمة بدورها لطعام هذه الجوارح وسواها من بني الإنسان ، وللقيام بأدوارها الأخرى ووظائفها الكثيرة في هذه الأرض.
__________________
(١) نور الثقلين / ج (٥) ص (١٨٦).
(٢) المصدر / ص (١٨٥).