وهنا إشارة إلى نوعين من العذاب : أحدهما المادي حيث يسحبون نكاية بهم ، والسحب وحده يعتبر عذابا للإنسان ، فكيف إذا كان على الوجوه أكرم مناطق الجسم ، وأكثرها حسّاسية ، وفي أعظم أودية جهنّم عذاب وهو سقر؟! الذي قال الامام الصادق (ع) عنه : «إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر ، شكا إلى الله شدّة حرّه ، وسأله أن يتنفّس ، فأذن له فأحرق جهنّم» (١) «إن في سقر لجبّا يقال له هبهب ، كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ أهل النار من حرّه ، وذلك منازل الجبّارين» (٢).
والآخر العذاب المعنوي الذي يفوق في بعض حالاته عذاب الجسم ، فهناك تتلقّاهم زبانية جهنّم قائلة : «ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ» ، «ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ» (٣).
ولعلّنا نفهم من المس أنّ النار لا تحرق كلّ أبدانهم ، بل تحرق جلودهم التي فيها تتركّز أعصاب الإحساس عند الإنسان ، ممّا يجعل العذاب أكثر ألما ، وهذا ما تؤكّده الآية الكريمة : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٤).
[٤٩] وهذا العذاب لا شك ليس اعتباطيّا وبلا حكمة ، كلّا .. فهو كسائر مفردات الوجود مقنّن مقدّر من قبل الله ، فلو أنّنا كشف لنا الغطاء لرأينا أنّ العمل السيء الذي نقوم به هو نفسه الجزاء الذي نلقاه.
(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)
__________________
(١) بح / ج (١) ص (٢٩٤).
(٢) المصدر / ص (٢٩٧).
(٣) الدخان / (٤٩ ـ ٥٠).
(٤) النساء / (٥٦).