وتتركّز مواده ، فهو يكاد يكون ماء به القليل من النشويات والسكريات في أوّل الأمر ، ثم تتركّز مكوّناته فتزيد نسبته النشوية والسكرية والدهنية فترة بعد أخرى ، بل يوما بعد يوم ، بما يوافق أنسجة وأجهزة الطفل المستمر النمو).
هكذا قدّر الله شؤون الحياة والخلق ، وهكذا تتجلّى حكمته في كلّ شيء ، ونحن يجب أن نهتدي إلى ما غاب عنّا بما نراه ونشاهده ، كما نستدل على وجود التيار الكهربائي بالمصباح والمروحة ، ينبغي أن نهتدي إلى الآخرة بالحكمة الربّانية الظاهرة في الدنيا ، وحتى في الدنيا نفسها يجب أن نؤمن بالسنن الحاكمة فيها ، ونكيّف أنفسنا وفقها ، فالذي يصلّي من دون خشوع وإخلاص لا تقبل صلاته ، والذي يتصدّق من دون تقوى تبطل صدقته ، وهكذا الذي يعرض عن آيات الله ويكذّب برسالاته ويتبع الهوى فإنّه يلقى العذاب في الدنيا والآخرة ، مهما زعم وتمنّى بأنّه لا يعذّب أو أنّه قادر على الانتصار على سنن الله في الحياة.
[٥٠ ـ ٥١] وفوق تلك الأقدار والسنن تبقى لله المشيئة العليا والارادة المطلقة يهيمن بها على كلّ شيء ، ويخرق بها القدر أو ينفذه متى شاء في أسرع من طرفة العين ولمح البصر ، فلا يجوز للإنسان إذن أن يعبد السنن ، إنّما يجب عليه عبادة ربّها.
(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ)
سواء كان هذا الأمر ممّا يختص بشؤون الدنيا أو الآخرة ، والأشياء كلّها تستجيب لأمر الله بمجرد نزوله من عنده دون تردّد أو إقناع ، فلا يحتاج تعالى إلى تكرار الأمر أبدا ، ولعلّ «واحِدَةٌ» إشارة إلى وحدة زمنية ، كما نقول نحن لحظة أو جزء من الثانية ، بل فوق الزمن إذا نسب الأمر إلى الله ، وحيث لا نستوعب نحن المسافة بين أمر الله ونفاذه ، ولا حتى أضخم الكومبيوترات الحديثة ، فإنّه تعالى قرّب