لنا المعنى مشبّها بقوله :
(كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)
أي كما لو أغمض بشر عينه ثم فتحها ليلمح شيئا ما ، واللمح هو النظرة السريعة الخاطفة ، ولعلّ تقدير الزمن إنّما هو من جانب المخلوق ، فهو بحاجة الى زمن حتى يتحقّق فيه أمر الله ، أمّا جانب الخالق فلا يتصوّر زمن مديد أو قصير تعالى ربنا عن أوصاف المخلوقين.
نعم في مثل هذا الزمن المحدود ينفذ أمر الله لو أراد إهلاككم أيّها الكافرون المكذّبون ، دون أن يمنعه مانع ، والتاريخ شاهد على هذه الحقيقة ، وقد قدّم القرآن في آياته السابقة قوم نوح وعاد وثمود ولوط مثلا لها ، ولا زال يؤكّد ذلك للكافرين فيقول :
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ)
نظائركم وأشباهكم ، وربما أراد القرآن بذلك الذين عاصروهم ممّن أهلكوا لا الذين من قبلهم وحسب ، وربّنا قادر على أن يفعل بهم ذلك ، ولكنّه برحمته ولطفه يقدّم النذر على العذاب والتذكرة على الجزاء ، ويدعوهم إلى الايمان ، لأنّه خلق البشر ليرحمهم وليربحوا عليه لا للشقاء والنقمة ، لذلك يهتف بهم كتابه الكريم :
(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)
وقد كرّر ربّنا هذا المقطع بعد قوله : «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ» ، فكما يجب على الإنسان أن يتعظ بالقرآن ويتذكّر بآياته كذلك يجب عليه أن يستنصح التاريخ ، ويعتبر بأمثاله وقصصه ، فإذا وجد نظائره وقد أهلكوا فلا يمنّي نفسه