إنّ للرحمة الالهية درجات ، ولكنّ أعظمها بالنسبة للإنسان الهدى المتمثّل في القرآن ، فالخلق بحدّ ذاته رحمة وهي تسبق تعليم القرآن ، إلّا أنّ ذكره يأتي متأخرا ، ذلك أن الهدى هو الهدف من الخلق ، ولو لم يهد الله عباده إليه تكون الحكمة من وجودهم وإيجادهم قد انعدمت. أو لم يقل ربنا سبحانه : «وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»؟.
والقرآن يهدي البشر إلى معرفة ربّه ، ولأنّه لا يمكنه ذلك إذا كانت بينه وبين الله حجب الغفلة والجهل والذنوب ، فانّ القرآن يزكّيه حتى يتجاوز تلك الحجب ، وحتى شرائع الدين تهدف في النهاية تمهيد السبيل إلى معرفة الرب. كيف؟ لأنّه لا يقدر الإنسان على معرفة الرب ما دام يعيش في مجتمع فاسد منحرف عن سنن الحق لا يني يعتصره حتى يكون متوافقا معه ، فكيف يتخلّص من ضغوطه ، ويتحدّى فساده؟ هذا ما تضمنه تعاليم الدين ، وكيف يبني مجتمعا فاضلا بديلا عنه؟ هذا ما تفصّله أحكامه القيّمة ، وبالتالي كيف يتجنّب عوامل الخطيئة حتى يعرف الله؟ هذا ما يتكفّل به القرآن بهداه وبيّناته ، ببصائره ومفصّلاته ، بأحكامه وشرائعه. إنّه يحقّق بكلّ ذلك الحكمة من خلق الإنسان ألّا وهي معرفة الله ، التي هي بدورها تجلّ لرحمانيّته تعالى. أليست معرفته عين الكمال ، ومحض النعمة ، ووسيلة الزلفى ، وسبب تسخير الخليقة؟
والسؤال : كيف علّم الله القرآن للإنسان؟
أولا : بأن علّمه رسوله (ص) وهو علّمه للبشرية تبليغا وبيانا.
ثانيا : بأنّ القرآن تعبير صريح عن الحقائق التي أودعها الله في فطرة كلّ بشر ، ممّا يجعل إيداعها بمثابة تعليم القرآن نفسه ، ممّا يجعل دوره بالنسبة للحقائق دور المذكّر بما ينطوي عليه وجدان الإنسان.