ويبدو أنّ حذف : مفعول التعليم الثاني فلم يفصح عمن علّم القرآن كان لحكمة بالغة هي : إن جعل القرآن علما بحيث ينتفع به كلّ من شاء هو المناسب لرحمانية الله ، كما قال ربنا سبحانه : «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ».
[٣ ـ ٤] وحينما نوجّه نظرنا صوب الإنسان نفسه نراه بكلّه مظهرا لرحمة الله.
إنّه لم يكن شيئا ، فأوجده الله من غير استحقاق منه ، ومن دون أيّ جبر أو اضطرار ، إلّا رحمة منه عزّ وجلّ.
(خَلَقَ الْإِنْسانَ)
وكفى بخلق الإنسان دليلا على رحمته. ألا تراه عالما كبيرا بذاته ، تماوجت في كيانه بلايين النعم التي لو فقد واحدة منها انتقصت الرحمة؟
بيد أن أعظم ما في الإنسان قلبه (مخّه وعقله) ، ذلك أنّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم ، وفضّله على كثير من خلقه ، ثم أكمل خلقه بالعقل ، وأكمل العقل بالقرآن ، وأكمل كلّ ذلك بنعمة البيان ، الذي يقوم بدور تواصل المعلومات وتناقل الخبرات من إنسان لآخر ، ومن أمة لأخرى ، ومن جيل إلى جيل ، ولو لا هذه الميزة لما كانت حضارة ، وكان البشر وسائر الأحياء سواء ، فحياة الهرّة قبل مليون سنة هي حياتها الآن ، لأنّ كلّ فرد من هذا الجنس يعيش في حدود غرائزه أو تجاربه الذاتية ، بينما تنمو حضارة البشر بتواصل التجارب والمعلومات وتراكمها ، وهذا كلّه مرتكز على البيان ، وما كان قادرا عليه لو لا فضل الله ورحمته إذ تلطّف عليه به.
(عَلَّمَهُ الْبَيانَ)
وهذه النعمة هي الأخرى مظهر لاسم الرحمن ، وآية هادية إليه ، وما يجب على الإنسان هو الاعتراف بهذه الآلاء ، وأداء شكرها ، ولكنّك تراه بدل ذلك يمارس