[٢٢] ويذكرنا السياق بنعمة الزينة التي أودعها الله في البحار ، وهي من الحاجات الكمالية لا الأساسية عند الإنسان ، انسجاما مع سياق السورة الذي يهدف بيان تجليات رحمة الله (اسم الرحمن) في الحياة ، لأن الزينة أقصى النعمة وأرفعها.
(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)
إن الله لم يودع في البحار حاجاتنا الضرورية وحسب ، بل الكمالية أيضا ، (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا ، وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها ، وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١) والقرآن بهذه الآية من سورة الرحمن يفند المزاعم القديمة بأن الأنهار لا تربي اللؤلؤ والمرجان ، وقد جاء العلم الحديث فأثبت خلاف ذلك ، وهكذا يبقى كتاب الله سابقا للحضارة.
ولعل الآية تشير إلى إباحة استخراج الزينة والتحلي بها أو لم يقل ربنا سبحانه : «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ، قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا ..» كما قال «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ».
[٢٣ ـ ٢٥] تلك كانت مظهر من آلاء الله التي تتجلّى للإنسان كلما ركب البحر ، وكلما غاص في أعماقه ، وهكذا كلما دار البصر في آفاق الخليقة ونظر الى الشمس والقمر والنجوم والأرض والبحار والأنهار ، ثم غار في أعماق النفس وما فيها من أبعاد وآماد ، كلّما وجد آلاء ربه تنهمر عليه من كل حدب وصوب أو لا تكفيه دليلا الى ربه ، وهاديا الى معرفته ، وباعثا له الى شكره؟ لكنك ترى أكثر الناس يكذبون بالنعم ويقصرون في الشكر بل يشكرون أبدا ، وحتى أولئك الذين يقضون سحابة أعمارهم في خوض لجج العلم أو متابعة قوانين الطبيعة عبر البحوث
__________________
(١) الكهف / ١٠٧