الميدانية والاكتشافات الجديدة ، لا ينطلقون من اكتشافاتهم الى خلفياتها ، حيث الايمان برب العزة والرحمة ، بل تراهم ينظرون الى الحياة نظرة سطحية فلا يزدادون إلّا ضلالا وتكذيبا بالحق ، انهم يقفون عند ذلك الحد ويظنون انها التي تحرك الحياة ولا يتساءلون من الذي وضع القوانين والانظمة والسنن؟! ومن الذي يسيرها ويهيمن عليها؟! بلى. ان العلم الذي لا يتأسس بالايمان والمعرفة بالله ، قد يضر الإنسان أكثر مما ينفعه ، لأنه قد يصبح وسيلة للكفر والتكذيب بالرب وإرادته.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
ومن آلائه السفن التي تحملنا الى الأقطار المتباعدة في أسفارنا وتجارتنا ومظان الصيد ، أترى لولاها هل استطعنا أن نركب البحر. أو وصلت أيدينا الى كنوزه لحما وزينة؟ كلا .. ولهذا كان من البديهة في هذه السورة الرحمانية أن يحدثنا القرآن عن السفينة فور حديثه عن البحر.
(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ)
والجري هو المشي السريع ولا يقال للسفينة سارت ، قال تعالى : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) (١).
والمنشآت من الإنشاء والصناعة ، وشبهها الله بالأعلام (الجبال) لارتفاعها كالعلم في البحر. وهذا المعنى يكون أكثر ظهورا في السفن الشراعية.
والسؤال لماذا لم يقل ربنا عند حديثه عن النعم الاخرى كالشمس والقمر ، والنجم والشجر انها له ، بينما قال هنا «وَلَهُ الْجَوارِ»؟ والجواب لأن الإنسان لا يستطيع أن يدعى ملكية تلك النعم ، ولم تصل يده إليها في شيء ، ولكنه قد يظن
__________________
(١) هود / ٤٢