بأنه مالك السفينة وخالقها ، لأنه الذي خطط لصناعتها ونشر ألواحها وجمعها الى بعضها بالدسر والمسامير فهنا يحتاج الى من يذكره ان صانع السفينة بذاته مخلوق الرب ، وانه لم ينشئها إلّا بحوله وقوته وبما أودع الله فيه من عقل ، وحكمة ، وأعطاه من علم ومعرفة ، وهيأ له من فرص العمل .. فالسفينة لله ، وهو الذي يجريها بقدرته في البحار. والبحارة يعرفون كم هي الاخطار العظيمة التي تحيط بهم ، وهم يعتركون الأمواج الهادرة في أعالي البحار.
ثم ان ربنا هو الذي علّم نبيه نوحا (ع) صناعة السفن وهو بدوره علمها للبشرية ، كما علم عباده الكثير من الشؤون والأمور عبر أنبيائه ورسله كالميزان ، وقد روى الطبرسي في جوامع الجامع : «ان جبرئيل (ع) نزل بالميزان فدفعه الى نوح وقال : مر قومك يزنوا به» (١) والسفينة الى الآن أفضل وسائل للنقل التي اكتشفها البشر ، فهي إذا نعمة إلهية ، والقرآن يطرح بعد التذكرة بها هذا السؤال :
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
أو يكفي العقل دليلا على ضرورة شكر من أسبغ علينا هذه النعم الجسيمة؟ بلى. ولكن ربنا الرحمن يزيد بلطفه على هدى العقل التذكرة بالوحي بالرغم من أنّ العقل حجته علينا بالغة ، بل يبصرنا بنعمه من خلال الوحي ويستثير عقولنا ويشد أسرها في مواجهة هوى النفس وطباعها ، فلا يقول أحد وقد كذب بآلاء الله انها مجهولة لديه. وبعد هذا البيان والتأكيد لن يكون قصور الإنسان عن الشكر ، ومعرفته ربه ، بغفلة وقد سبق اليه منه الذكر بفضله ، ولا بجهل وقد تقدم منه إليه العلم برحمته.
[٢٦ ـ ٢٨] وبعد مخاطبة العقل بلغة الحقائق العلمية التي يراها البشر بعينه
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٥٠