فتنفذ الى ضميره يخاطب الوحي وجدان الإنسان مباشرة ، ويهزه بأعظم الحقائق وطأة في نفسه. إنها حقيقة الموت والفناء التي يحاول دائما الفرار منها ، فيعطي ماله أو يضحي بأعز الناس اليه وأقربهم منه لعله يفتدي نفسه منه أو يؤخره عنها ولو لسنة اضافية أو حتى بضعة أيام. وكما فناء الإنسان كذلك فناء الأشياء من حوله دليل وحدانية الله وربنا يذكرنا بذلك كأعظم آية تهدينا الى معرفته وتوحيده.
بلى. لقد دعانا الله الى النظر في ظواهر الطبيعة ، والتفكر فيها ، ولكن من دون الانبهار بها ، لأنها مجرد نعم وآيات يجب ان نؤدّي شكرها ونهتدي بها الى دلالاتها. إنها محدثه فلا بد لها من خالق ، وهي تفنى أو تموت فهي ليست إلها ، لان الإله لا يموت.
(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)
اي كل ما في الأرض بكله لا بعضه ، ولكن الله لا يقول ميت ، لأنّ الموت يجري في الأحياء فقط ، بل يقول فان ، لأن الفناء يشمل كل شيء مخلوق. وفي دعاء إدريس النبي (ع) : «يا بديع البدائع ، ومعيدها بعد فنائها بعد فنائها بقدرته» (١).
(وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)
فما هو وجه الله الذي يبقى بينما يفنى كل شيء؟ إن الألفاظ تفقد ظواهرها التجسيدية لتبقى حقائقها عند الحديث عن ربنا القدوس سبحانه فليست يده سوى قدرته ، وعينه إلا احاطته علما وشهادته على كل شيء وهكذا وجهه ، فانه ما يتجلى به في الخليقة ، حتى يعرفه بها من اراده ، ويرى نوره من خلالها من أحبه ، أو لسنا نحن البشر نرى نظراءنا من خلال أوجههم الظاهرة ، وتعالى الله عن الأمثال ،
__________________
(١) المصدر / ص ١٩٣