بربه ، وإذا كان لا بد له من ذلك فليدفع أولا الموت عن نفسه ، أو يدفعه الآخرون عنه.
[٢٩ ـ ٣٠] ثم يذكرنا القرآن بصفة أخرى لربنا عزّ وجلّ تجعلنا أكثر طاعة له وتبتلا إليه ، وتلك هي صفة البداء التي تعني الهيمنة الشاملة والدائمة له على الوجود ، فليس الكون شعلة أبدية كانت ولا تزال كما تدعي الماركسية الضالة. إن الطبيعة ليست هي التي تميت وتحيي ، والسنن والأنظمة والقوانين ليست بذلك الثبات المطلق ، إنما الذي يتصرف في الخلق هو الله ، وكل شيء يستمد ثباته واستقراره منه ، فهو يغيره متى شاء وكيف أراد. ولو أننا أمعنا النظر في الحياة لوجدنا هذه الحقيقة بوضوح فإلى جانب الثوابت هناك متغيرات غير معروفة عند الإنسان. الدكتور يقدم وصفته للمريض بعد الفحص ، ولكنه يعترف بأنه لا يعرف كل الأمراض (١٠٠ خ) ولا يعطي ضمانة للعلاج مائة بالمئة لماذا؟ لانّ هناك هامشا مجهولا في المرض والعلاج ، فالامراض تتداخل اعراضها ، كما انه قد لا يستقبل الجسم الدواء ، لذا يقول هذا مرضك حسب الظاهر ، وهذا دواؤك إن شاء الله. ومن الطب الى كل جانب وميدان في الحياة هناك دائما فراغ في القوانين الطبيعية لا يقدر علم الإنسان وقدرته أن تملأه إنما هو خاص بمشيئة الله سبحانه. من هنا لا يثق أحد كل الثقة بما أوتي من علم وقوة ، بل يظل في ريب من أن المستقبل قد يحمل إليه ما لم يحتسبه. بلى. لقد علمته تجارب لا تحصى انه ليس مليك الكائنات ، بل ولا يملك نفسه ، فكم قد خطط لمستقبله فقلبت المتغيرات خططه ، وكم قد عقد عزائم قلبه على شيء ففسخت المفاجئات عزائمه. وهكذا ينطوي ضمير كل إنسان بأن يد الغيب تهيمن على الخليقة لا يده ، ويمثل هذا حجة بالغة تهدينا الى ربنا سبحانه. وصدق أمير المؤمنين (ع) حيث قال : «عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم وحل العقود ، ونقض الهمم» (١).
__________________
(١) نهج / حكمة ٢٥٠