يقع إلا ما كتب عليهم ، وقد جف القلم وطوي الكتاب ، وانطلاقا من هذه النظرة السلبية أنكروا أثر الاستغفار والدعاء. وكم تقف هذه الفلسفة حجابا بين العبد وربه ، أتراه سوف ينطلق نحوه ، أو يسأله حوائجه ، أو يتوسل اليه وقد غل يديه ولسانه وقلبه بالقنوط واليأس؟ ولماذا يتعب نفسه بالسؤال من رب لا إرادة عنده؟ فالأقدار هي هي لا تتغير ، وما عسى أن يكون ينفع الدعاء إذا؟ وبهذا نعرف الفرق الكبير بين المعارف الالهية والفلسفات البشرية ، فبينما تزرع الفلسفات البشرية اليأس في نفس الإنسان ، وتقل فاعلياته وتجمد طاقته بالحتميات التي تزعم انها تحيط بالقدرة البشرية كما جران السجن بالمجرم ، نجد النهج الالهي الحنيف يفتح آفاق الرجاء أمامه ، ويعطيه الثقة بربه القادر على إنجاح طلباته ، وتغيير المعادلات والواقع الى صالحه ، ويفند الأفكار الجبرية والقدرية بفكرة الدعاء الذي ينطلق من العبد الى ربه (السؤال) وانه فوق الحتميات والأقدار وفوق القضاء ، قال الامام الباقر (ع) يخاطب زرارة (ر ض) : «ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول الله (ص)؟ قلت : بلى قال : الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما» (١) وضم أصابعه وقال الامام الكاظم (ع) : «عليكم بالدعاء فان الدعاء لله والطلب الى الله يرد البلاء وقد قدره وقضي ولم يبق إلا إمضاءه ، فاذا دعي الله عزّ وجلّ وسئل صرف البلاء صرفه» (٢).
ولعل الآية التالية تدل على صفة البداء التي هي مفتاح بصيرة الدعاء فلو لا ان الله قادر على تغيير الخليقة ودفع البلاء ورفع القضاء إذا لم يبق أثر للدعاء ومن لا يعتقد بالبداء ولا يؤمن بسلطة الله المطلقة التي لا يقيدها أي شيء مما سواه ، ومن نفسه سبحانه فانه لا يعتقد بإلاهية ، كيف وانه يجعله تعالى أقل قدرا وقدرة حتى من الملوك إذ تجرد عنه أهم صفاته وهي السلطة (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌ
__________________
(١) أصول الكافي / ج ٢ ص ٤٦٩
(٢) بح / ج ٩٣ ص ٢٩٥