[٣١ ـ ٣٢] وإذا ما كذب المخلوق بنعم الله وآياته (آلائه) فانه سيعرض نفسه لسخط الله وعذابه ، بالذات عند ما يحين موعد الحساب.
(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ)
يعني الانس والجن. ذهب المفسرون مذاهب شتى عند بيان معنى الفراغ ، بيد ان إبهام المعنى يتضح جليا إذا عرفنا منهج القرآن فيما يتصل بأفعال ربنا القدوس حيث تؤخذ الغايات وتترك المبادئ ، وترمز الكلمات الى نتائج المعاني ونهايات الحقائق .. لا الى كيفية وقوعها وطريقة تحققها ، فمثلا إذا قال ربنا سبحانه «وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا» فان غاية المجيء وهو الحضور والشهادة قد تحققت اما الكيفية التي نعرفها من مجيء البشر بالانتقال من مكان لمكان ، فانها لا تتصور في الله الذي وسعت رحمته كل شيء ، وهو الشاهد على كل شيء ، كذلك إذا قال سبحانه : «رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ» ، فان نتيجة الرضا تتحقق ، وهي الرحمة والعطاء لا ما يحدث عندنا من مقدماته كالانفعال الايجابي في النفس ، وهكذا الغضب الالهي معناه ما ينتهي إليه الغضب من الانتقام لا مقدماته ومبادئه من جيشان الدم وتوتر الأعصاب ، ومثل ذلك الحب والعطف والحنان والكره والبغض و.. و.. فربنا السبحان متعال عن الكيف والأين والتحول و.. و.. وفي الآية لا يعني سنفرغ لكم ان ربنا كان مشغولا عنهم بحيث لم يتسع لهم وقته ، ولم تحتمل قدرته بما عنده من الشؤون كلّا .. سبحانه لا يشغله شأن عن شأن ، إنما الغاية من الفراغ تمام التدبير والقدرة والجزاء ، ومنه قولنا تفرغ فلان للعمل اي انصب عليه بكامل قدرته ووعيه وإرادته ، والآية تشير الى ان الله أعطى الثقلين حرية نسبية في الدنيا ، أما في الآخرة فالأمر لله وحده (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (١).
__________________
(١) غافر / ١٦