ولك أن تتصور شيئا من الرهبة التي تحملها إلينا كلمة سنفرغ ، إذا علمت انه تهديد من رب العزة والقدرة المطلقة ، الى مخلوق ضعيف محدود كالإنسان الذي تؤلمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة ، كما يصفه الامام علي بن أبي طالب عليه السلام ، ويكفي هذا الوعيد العاقل الذي يلقي سمعه شهيدا أن يتورع عن التكذيب بآيات ربه ونعمه ، لأن ذلك مما يوجب عذابه ، وإن الله يوم القيامة يوقف عباده للسؤال عن النعيم (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (١) (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٢).
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
ومن صور التكذيب بذل النعمة في غير موقعها ، أو أخذها من الحرام ، والاستعانة بها في مخالفة الحق ، كالعين ينظر بها الى أعراض الناس ، والأذن يستمع بها الغيبة والنميمة والغناء واللغو ، والرجل يمشي بها الى المعصية ، قال رسول الله (ص) : «لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن شبابه فيما أبلاه وعمره فيما أفناه ، وعن ماله من أين جمعه وفيما أنفقه ، وعن حبنا أهل البيت» (٣).
[٣٣ ـ ٣٦] ويفتح الله آفاق الطموح أمام الإنسان بعيدا عن الأساطير البشرية ليسجل سبقا على العلم الحديث بأكثر من (١٣) قرنا من الزمن ، ولا غرابة فهو كتاب الله. إن الفلسفات البشرية كانت دائما تكبل عقل الإنسان ، وتغل طموحاته ، وتضع إصرا على نفسه تمنعه من الثقة بها والتوكل على ربه وذلك عند ما كرست الجهل ووضعت مجموعة نظريات بدائية عن الإنسان والعالم واعتبرتها غاية العلم ونهاية المعرفة ، فتحولت الى سقف للفكر وسجن للعقل ، وعقبة اجتماعية كأداء امام التقدم.
__________________
(١) التكاثر / ٨
(٢) الصافات / ٢٤
(٣) نور الثقلين / ج ٤ ص ٤٠٢