لا يهدينا ذلك الى انه كتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
وهكذا القرآن لا يزال هو المقياس للحضارة ، وإذا عارض نظرية علمية ما فاننا لا ريب سنجد قوله هو الثابت ، واما تلك النظرية فتذهب هباء.
(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا)
هكذا يستثير القرآن التطلع الكامن داخل نفس الإنسان نحو العلم والمعرفة والتقدم ، فهو يحدثه عن بساط الريح الذي كان لدى سليمان (ع) ، وكيف انه سخر الحياة من حوله (الجبال والجن والطير و..) وجعلها في خدمة الحضارة البشرية ، ليؤكد له بان الطريق سألك أمامه للوصول الى هذه القمة السامقة من التحضر. وبالطبع إنه لا يرسم خريطة عن المركبة الفضائية حينما يستثيرنا في هذه الآية عن إمكانية اختراق الفضاء ، ولم تتنزل فيه سورة تحدثنا عن لغة الطير لماذا؟ لأنه ليس كتابا تكنلوجيا وإن كان يشير الى بعض الحقائق إشارة مباشرة ، إنما هو كتاب حياة يستثيرنا نحو العلم ، ويعطينا الثقة بأنفسنا ، ويوجه عقولنا وقدراتنا في قنواتها الاستراتيجية الصحيحة ، أما التقدم العلمي أو تحول التطلعات والحقائق التي يبينها الى واقع فذلك من وظائف العقل البشري ، ولو فعل ذلك لكان يشكل سقفا للفكر وحدا للعقل وعقبة أمام التطور ، بينما المطلوب أن يكون منهجا للفكر ومحرضا للعقل وباعثا نحو التطور.
والقرآن هنا وهو يريد ان يستثيرنا نحو تطلع حضاري كبير ، هو اختراق الآفاق وتسخير رقعة أوسع في هذا الكون الرحيب الذي خلق من أجلنا ، في خدمة الحضارة البشرية ، فانه يدخل الى ذلك بكلمة عميقة تحتمل من الأفكار الحضارية الشيء الكثير إذ يخاطبنا «يا مَعْشَرَ» والمعشر هو من العشرة والتعاشر وهو التجمع الذي تربط