تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ) (١).
٢ ـ وأراد الوحي من ذلك أن ينسف إحدى النظريات الخاطئة التي تقف عقبة في طريق خوض الإنسان لعلم الفضاء واكتشافه كنوز الأرض ومساحاتها ، وهي ان الإنسان عاجز عن النفوذ من أقطار السماء وان ما بعد البحر والصحراء ليس إلّا بحار الظلمات وعوالم غريبة مخيفة لا سبيل للبشر إليها ، وان الجن وحدهم يستطيعون ذلك ، فجاءت هذه الآية لتعيد للإنسان الثقة بنفسه ، وتؤكد له قدرة متساوية لا أقل مع قدرات الجن بالرغم من ان الجن خلق من مارج من نار فهو بطبعه ـ حسب نظرة البشر ـ ضعيف قابل للنفاذ بينما الإنسان خلق من صلصال من طين فهو بطبعه ـ حسب رؤية البشر ـ ليس قابلا للنفاذ.
٣ ـ ولعل في الآية معنى حضاريا يستهدف إثارتنا والجن نحو التسابق الى تحقيق التطلع الحضاري الذي تطرحه الآية بالنفاذ في أقطار السماوات والأرض ثم ان الآية تقول إن استطعتم ولا تقول لو استطعتم لأنها للامتناع ، بينما إن للشرط ، وربنا يعبر عن هذا الشرط بالاستطاعة أي القدرة بتمام المعنى وشموله وهذا يشبه قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٢) ولكن الاستطاعة في النفاذ من أقطار السماء والأرض لا تتحقق إلا بدراسة التحديات الموجودة في الطريق الى ذلك التطلع وتجاوزها واهمّها اثنان :
الأول : الأخطار المحتملة كالأجرام السماوية الحارقة وهذا ما سيأتي الحديث عنه عند الآية (٣٥).
الثاني : تحدي طبقات السماء والأرض ، وهو التحدي الأساسي والثابت ، فاذا
__________________
(١) النمل / ٢٧
(٢) آل عمران / ٩٧