ولكن مهما كذب الفريقان بالحقائق الواقعية كالنار وتعاونا على ذلك ، فانها لن تتبدل ولن تنتفي أبدا ، فالنار موجودة وان كذبنا بها ، كما ان تكذيب بعض السوفسطائيين بواقعية الخلق لا يحيله خيالا ، بل ان التكذيب بالنار يجعلها أقرب وأشد على المكذب بها ، ويوم القيامة يؤتى بالمجرمين مأخوذين من نواصيهم وأقدامهم الى جهنم ، ويقال لهم :
(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ)
فيرونها عين اليقين ، ويصدقون بها بعد طول تكذيب ، ولكن ماذا ينفعهم الاعتراف حينئذ ، بلى. إذا عرف الإنسان بالخطر قبل وقوعه فيه ، وكانت ثمة فرصة يستغلها للنجاة ينفعه علمه. بيد ان هؤلاء كذبوا فعلا بآيات الله الدالة الى هذا الحق ، فصاروا من حطب جهنم ووقودها ، فتراهم ينتقلون بين النار والحميم.
(يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ)
أي بالغ الحدة : حرارة وغليانا ، ومنه آنت الثمرة : إذا نضجت وأينعت ، والمجرمون في طواف دائم ، تسوقهم الملائكة بين جهنم النيران (أشدها حرارة) وبين السوائل المغلية الى درجات عالية من الحرارة ، وان المجرم يحترق بالنار ، ويفقد سوائل جسمه ، فيسعى لشرب الماء فيجده حميما ، وهذا هو حال النعمة حينما يفرط فيها الإنسان ، فيكذب بها ، وينسبها الى غيره شركا ، أو يستخدمها في المعصية ولا يؤدي حق شكرها ، وحريّ بنا أن نصدق بآلاء الرحمن ، ونؤدي واجبنا تجاهها. انها رحمة من الله فأما أن نصيّرها نقمة أو نجعلها رحمة أكبر وأوسع ، تنمو في الدنيا ونتلقاها أضعافا مضاعفة في الآخرة.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)