[٤٦ ـ ٤٧] وينتهي السياق يحدثنا عن جزاء أولئك الذين عرفوا ربهم حق معرفته ، عرفوه بأنه الرحمن فصدقوا بآلائه ، ورغبوا في رحمته قلبا ، وسعوا إليها عملا ففتحت لهم أبوابها في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض.
وهكذا يطبع السياق صفة ثنائية على آيات هذه السورة ((الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) ، (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ) ، والسماء والميزان ، والفاكهة والنخل ، والحب والريحان ، والانس والجان ، والصلصال والنار ، والبحرين ، و(اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)) الى ان يحدثنا عن صنفين من الناس في سلوكهم وجزاء الله لهم ، وهم المجرمون الذين انتزعوا من قلوبهم خشية الخالق ، فصاروا لا يتناهون عن منكر ، ويحدثنا في مقابلهم عن الخائفين ، الذين براهم خوف الله بري القداح.
وهذا منهج وسائد في كتاب ربنا حيث يذكرنا بالفارق بين المتقين والفجار عبر بيان الفوارق بين الأشياء المختلفة لنزداد وعيا بهذه المفارقة ، وتصديقا بآثارها في الآخرة.
وللثنائية التي صبغت بها آي سورة الرحمن فائدة اخرى تلك هي العلم بالفوارق الممتدة بين الأشياء ، فعند ما يكون المرء جاهلا يرى الأشياء المختلفة بلون واحد ، ولكنه كلما تقرب الى العلم كلما بدت له الفوارق أكثر وضوحا وعددا ، فالغازات كلها عند الإنسان تنضوي تحت اسم عريض هو الهواء ، وإذا به الآن وقد تقدم به العلم تزيد على مئات الأنواع ، كما ان هذه الثنائية تدلنا على الحاجة أيضا ، حيث يحتاج كل اثنين الى من يدبر أمرهما اذن فهذه الثنائية بين المخلوقين تهدينا الى الثنائية المطلقة بين المخلوق والخالق.
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ)