جزء من الغيب الذي حجب عنه؟!
بلى. إنّها غيب كما الملائكة والجن والمستقبل ، ولكن تعالى الله أن يلزمنا الإيمان بحقيقة حاضرة أو غائبة إلّا والآيات الهادية إليها قائمة وكافية أن تكون حجة بالغة لمن ألقى السمع وأعمل النظر والفكر وهو شهيد. فما هي آيات الواقعة؟
أوّلا : وقبل كلّ شيء ليس هنالك دليل ولا آية تكذّب هذه الحقيقة «لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ» ، وهذه من طبيعة الحق أنّه لا دليل منطقي على خلافه ، والذي يكذّب به هو الذي يحتاج إلى تبرير موقفه.
ثانيا : إنّ الإنسان يبرر غالبا ريبه في هذه الواقعة بالشك في إمكانيتها ، لأنّه ينظر إلى هذه الحقيقة العظمى من خلال قدراته المحدودة فيكفر بها. أمّا إذا تفكّر فيها من خلال قدرة الله التي لا تحد ، وسننه الحكيمة التي لا تتبدل ، فإنّه سيراها (حق اليقين). والإيمان بإرادة الله يأتي من التفكّر في آيات قدرته المتجلّية في النفس وفي الآفاق ، فإن ذلك يهديه إلى عظمة ربّه وتنزيهه عن العجز ، والآيات (٥٧) تثير العقل البشري بالحقائق وتجعل الشهود جسرا إلى الغيب.
ثالثا : والقرآن الكريم هو الآية العظمى التي تهدي إلى كل حقيقة ، بشرط أن يكون الإنسان عند ما يتدبره ويأول آياته طاهرا من كل دنس مادي (خبثا وحدثا) ، ونفسي (صفات وعقدا) ، وعقلي (الأفكار الضالة) وذلك لتجاوز الحجب التي تمنعه من لمس معانيه وتأويلاته العميقة الحقة ، فإنّه يرى بالفطرة السليمة ، والعقل المتقد الحقيقة مكشوفا عنه غطاءها ، وبما أنّ مشكلة البشر ليست عقلية وحسب ، بل هي نفسية أيضا فقد يسّر الله هذه الحقيقة العظمى بالشواهد العقلية والوجدانية والواقعية ، بأسلوب أدبيّ بليغ ، ومنهج نفسي مؤثر تضمن الترغيب