وهذا التهويل يدل على ما أعدّ لهم من عذاب شديد ، ولعل الحكمة من التهويل هنا وهناك هو الفصل بين الفريقين فصلا نهائيا بالرغم من اختلاطهم في الدنيا ، فقد يكون الولد من هؤلاء ، والوالد من أولئك ، ولكنهما لن يشتركا في مصير الآخرة ، وإنما بينهما مسافة أبعد مما بين الأرض والسماء.
ويبدو من آيات قرآنية عديدة أنها تهدف تعميق الفصل بين أهل الصلاح والفساد ، لأنه إذا لم يعرف الفصل كان من الطبيعي سقوط الإنسان في وهدة الفساد ، لما فيه من جاذبيّة مادّية ، ولأن ذلك السقوط لا يحتاج الى قرار ، وانما يتم عادة في غيبة من صاحبه ، وبسبب انعدام الحذر عنده.
[١٠] (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)
الذين يسارعون في الخيرات ، ويبادرون للاستجابة للحق أنّى دعوا اليه ، متجاوزين عقبة التوافق الاجتماعي بقوة الإرادة ، وبصيرة الإيمان.
لقد كان حبيب النجار سابقا ، كما كان حزقيل من السابقين ، أمّا سيد السابقين فقد كان الإمام علي (ع) الذي سبق الرجال في الإيمان بالإسلام.
ولنا أن نتصور ملامح السابقين الشخصية ، وتحدّيهم لظروفهم وتعرّضهم للآلام والضغوط الهائلة ، كل ذلك من خلال نظرة الى سيرة هذه القدوات الثلاث ، لقد تجاوزوا أولا : عقبة التردد والشك بقوة العقل ، ومضاء التفكير ، فلم يرتابوا في الحقيقة بمجرد غفلة الناس عنها ، ولم يأبهوا بالرأي العام الذي خالف الحق وناهضه ، ولم تساورهم الظنون في الداعي الى الحق بسبب الاعلام المضلل ، أو الدعايات الكاذبة. كانوا كما الجبل الأشمّ ، يتحدون أعاصير التهم والافتراءات.