ان ثقة الإنسان بعقله واعتداده بشخصيته الداخلية ، ويقينه بالحق ، وعزيمته في الانتماء اليه والدفاع عنه ، وإيمانه بحتمية انتصاره ، إنّ كل ذلك مكونات شخصية السابق.
وبعد تجاوز شكوك النّفس ، ووساوس الشيطان ، والالتحاق بالحق يواجه السابق عناد المجتمع ، وتصلبه في الباطل ، مما يجعله وجها لوجه مع ضغوط هائلة. ابتداء من الافتراء والسخرية ، وانتهاء بالتجويع ، والتعذيب ، والنفي ، والقتل ، ومرورا بالمقاطعة الاجتماعية ، فاذا تحدّاها ، وانتصرت الرسالة ، برزت صعوبات جديدة حيث تقبل الدنيا عليه بكل ما لها من إغراء النساء ، وزينة المال والأولاد ، وشهوة الرئاسة والسلطة ، فاذا تحداها واجه تيارا اجتماعيا جديدا من الذين التحقوا بالركب طمعا في الدنيا ، وانبهروا بزخارفها ، وأخذوا يفرّغون الدّين من محتوياته ، ويبدّلون الكلم عن مواضعه.
وبكلمة : إن حياة السابقين سلسلة من الصراعات التي لا تنتهي .. فهو إذا بحاجة الى جهاد متواصل ، كما أنه بحاجة الى مبادرات مستمرة ، وقرارات حاسمة وتاريخية ، لا ينفك عنها حتى يأتيه اليقين ، وذلك عند ما يلقى ربه راضيا مرضيا.
و(السَّابِقُونَ) هم الأولون قدما نحو الخير ، وإيمانا ومعرفة ببصيرتهم ووعيهم ، وعملا بتوكلهم على الله ، وثقتهم بأنفسهم ، وشجاعتهم حيث يكسرون بذلك طوق العادة ، ويخرجون عن جاذبية المحيط ، ويتجاوزون السقوف المصطنعة بالرّيادة والمبادرة والإبداع ، (وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (١)
وهم الاسبق كما ونوعا في الخير ، ولا يرون النوع من زاوية التقوى والإخلاص فقط ، إنّما من زاوية الإتقان أيضا لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ
__________________
(١) المائدة / ٥٤