إنهم يصبون لذيذ الشراب من أكواب وأباريق في كؤوس جميلة ، ويقدمونها لأهل الجنة.
قالوا : يختلف الكوب عن الإبريق في العرى والخراطيم ، أما الكأس فهي إناء الشرب ، وقيل : لا يقال : كأس إلا إذا كان فيها شراب ، والا فهي زجاجة ، ولا يقال : كوز ، إلا إذا كانت له عروة ، وإلا فهو كوب (١) ، وتتساءل : ما هذا الترتيب؟ يبدو أن الأكواب هي الانية الكبيرة المليئة بالخمر ، وتغرف منها بالأباريق ، ثم تصبّ الخمرة في الكأس للتناول ، كل ذلك لاضفاء جو المرج واللذة والكرامة في جلسات المؤانسة.
وقالوا : المعين الجاري ، حيث أن خمرة الجنة تجري من عيون ، ويبدو أن الوصف ليس فقط لما في الكأس ، بل لما في الأكواب والأباريق أيضا. وقيل في جريان الماء : فاذا كان ظاهرا جاريا على وجه الأرض فهو معين وسنم (٢).
[١٩] (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ)
فهي ليست كشراب الدنيا يصيب الإنسان بصداع ودوار ، أو يذهب بعقولهم.
قالوا : النزف : السكر ، وقيل : لا ينفذ شرابهم ، وتساءل الفخر الرازي : لماذا قيل : «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها» ولم يقل (منها) فأجاب : لأن الصفة هنا صفة الشراب ، ولو كان صفة الشخص لحسن القول : فلان لا يصدّع من الشراب (٣).
ولعلّ تقديم الشراب على الطعام لان الاحساس بالعطش أشد ، والشراب أول
__________________
(١) فقه اللغة للثعالبي / ص ١٥
(٢) المصدر / ص ٢٨٥
(٣) تفسير الرازي / ج ٢٩ ـ ص ١٥٢