فضللت عنه ، وحين عدت الى نفسك وفتشت عنه لديها وجدته ، كذلك الحقائق الكبرى إنما ضل عنها البشر حين فتشوا عنها بعيدا ، بينما هي أقرب إليهم من حبل الوريد. هل سمعت عن ذلك الفيلسوف الذي بحث عن الحقيقة في النظريات المعقدة فلما وقف على عجوز تغزل وسألها بم عرفت ربها أوقفت مغزلها وقالت بهذا ، وأضافت : أنا حينما تركت المغزل وقف. فكيف لا تقف السماء عن الحركة أليس لها محركا مدبرا؟ وكان درس العجوز أقرب الى قلبه من كل نظريات الفلسفة لماذا؟ لأنها تحدثت معه بلغة الوجدان .. بأقرب الأشياء اليه ، كذلك نحن امام حقيقة الخلق ، من الذي خلقنا وأوجدنا؟ حيث أن الإنسان يجد نفسه أمام افتراضات ثلاث :
أولا : فهل الإنسان هو الذي أوجد نفسه ، فيكون ذاته الذي خلق ذاته؟ وهذا لا يقره عقل ولا علم ، فقد بدأ نطفة لا علم له ولا إرادة ، ثم نشأ حتى صار طفلا سويا لا حول ولا طول لديه ، وكفى بجهله نفسه وعقله وبدنه دليلا على أنه ليس الخالق. أم أن والديه خلقاه مع أننا نعلم يقينا بأن تقلّبه في صلب أبيه ، ثم تناميه في رحم أمه قد تم بعيدا عن علمهما وإرادتهما.
وثانيا : ويقول البعض أنه الدهر يميتنا ويحيينا ، وقد يعبّر عنه البعض بالطبيعة ، هذه السماء والأرض والماء والطين. أفلا يرجعون الى أنفسهم ويسألون : من الذي خلق الطبيعة ، وأركز فيها قوانينها ، وفتقها بعد رتقها ، وألف بين أزواجها ، ونظّم شؤونها. أوليس الخالق العليم المدبّر الحكيم؟
ثالثا : ويقولون أنّ الكون جاء صدفة ويسير بغير دليل. سبحان الله! ما هي الصدفة؟ أو لا تعني الصدفة ان حادثتين وقعتا في حالة واحدة ، وكان لكل واحدة منهما سببا ، إلا أنه كانت في وقوعهما معا نتيجة جديدة؟ هذه هي الصدفة