بصورة دقيقة كمية الحركة التي يقوم بها جسيم بسيط وأن نحدد في الوقت عينه موضعه في الموجة المرتبة به بحسب الميكانيكا الموجبة التي نادى بها «لويس دوبروغلى» فكلما كان مقياس موضعه دقيقا كان هذا المقياس عاملا في تعديل كمية الحركة ، ومن ثم في تعديل سرعة الجسيم بصورة لا يمكن التنبؤ بها ، ومهما تعمقنا في تدقيق المقاييس العلمية ابتعدنا أكثر عن الواقع الموضوعي.
هذا في الذرة الذي نادى فيها بعض بمبدإ النظام في اللانظام. وأما في المجرة أكبر وحدة وجودية فإنّ أحدث النظريات الفلكية أثبتت أنّه بالرغم من وجود نظام متناسق فيها فان فيها مجالا واسعا لما نسميه بالصدف؟ (١).
فالنظام إذا ليس كل شيء ، حتى نتخذه ربّا ـ فهو بالاضافة إلى كونه دليلا الى العليم العزيز الذي قدّر ، كما أنّ الأثر دليل على المؤثر ـ فإنّ هناك إرادة فوق النظام تمضيه أو تعطله متى ما شاءت وهي إرادة الله ، ولقد أودع الله ثغرة في كل نظام وسنة تدل عليه ، فهذا ماء المزن العذب يصيّره ربنا أشد ملوحة من الملح إن شاء ، فلا نقدر على شربه ، أو يستحيل من سبب للحياة ، الى وسيلة للموت والدمار.
(لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً)
يعني أشد ما تكون الملوحة ، وربّنا قادر على جعله كذلك حال كونه غيثا أو في مخازن الأرض ، بحيث لا يؤثر قانون التبخر في فصل ماء البحر عن أملاحه ، أو يجعل أساس تركيب الماء قائم بالملح فلا يمكن فصله عنه بالتحليل والتحلية كما يفعل الآن لمياه البحار ، أو أنّه لا ينزله من السحاب فلا يجد الناس إلّا ماء البحر الأجاج ، ولكنه بلطفه جعل درجة تبخر الماء تختلف عن الأملاح ، كما نظم دورة
__________________
(١) الفكر الاسلامي مواجهة حضارية / ص ١٨٨ ـ ١٨٩ للمؤلف.