وقال الإمام العسكري (ع) : «لا يعرف النعمة إلّا الشاكر ، ولا يشكرها إلّا العارف» (١) وقال الإمام زين العابدين (ع) : الحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة ، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسّعوا في رزقه فلم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلى حد البهيمة ، فكانوا كما وصف في محكم كتابه : «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (٢).
وما شكر الله من أسرف في نعمه ، أو تقوّى بها على معصيته ، ونستوحي من أمر الله بالشكر بعد الإنذار المبطن المتمثل في قدرة الله على تحويل الماء أجاجا ، أنّ سلوك الإنسان فيما يتصل بربّه أو بنعمه سبحانه ينعكس على الطبيعة من حوله. فربما ضرب الجفاف بلدا ، فقلّت المياه وانعدمت لعدم شكرهم ربّهم.
[٧١ ـ ٧٢] والنار هي الأخرى نعمة هامة وأساسية تتدخل في كثير من مرافق حياتنا ، فهي مصدر للطاقة ، ووسيلة للتدفئة والطبخ والإضاءة ، وعامل أساسي في الصناعة إلّا أنّ القرآن في هذا السياق لا يريد الفاتنا إلى هذه الجوانب على أهميتها ، بقدر ما يريد الحديث عن النار باعتبارها آية من آياته ونعمة عظيمة لا بد من شكر الله عليها.
(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ)
أي توقدون وتشعلون ، والملاحظ أنّ الله يوجهنا إلى أشياء متميزة (الحيمن والجنين ، والموت ، والحرث ، والماء ، والنار) ، وتميّزها ليس فقط في كونها من أبرز وأهم الأشياء ، بالنسبة للإنسان أو لأنها من أعظم تجليات الله في الخليقة ، بل لأنها قد أصبحت لا تثير اهتمامنا كثيرا ولا تدعونا إلى التذكرة والاتعاظ ، إنّما
__________________
(١) المصدر / ج ٧٨ ـ ص ٣٧٨.
(٢) الصحيفة السجادية الدعاء الاول.