ولكن أخبركم عنه ، فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم» (١) ، وقد أراد الامام (عليه السلام) من قوله : «ولن ينطق» أننا لن نقرأ في ظاهر القرآن كل المناهج الحضارية للحياة ، ولا مضامينه العلمية ، انما نجدها بالتفكير والتدبر في آياته ، الذي يفتح لنا كن الذكر الحكيم ويبصرنا محتوياته وتأويلاته الواقعية في جوانب الحياة المختلفة ، والعقل إذا أعمل على هدى الآيات والسنة والعلم الصحيح هو مفتاح القرآن. قال تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢) ، وقال : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) (٣) ، وقال : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٤)
ولأننا تعوّدنا على الأفكار الجاهزة ، ولان العملية الفكرية عملية مجهدة ، ولان مناهجنا في فهم القرآن وتفسيره متخلّفة وخاطئة في أغلبها ، فلا زلنا بعيدين عن الثقافة القرآنية التي نحتاجها في حياتنا الفردية والاجتماعية ، ولم ننتفع عمليا بالرغم من الحاجة الملحّة إليها. وما أشبه حالنا بظمآن يجري بقربه نهر فرات لم يكتشفه ، أو فقير تحته كنز كبير!
ولا يفوتنا القول بان من معاني «مَكْنُونٍ» محفوظ ، لم ولن تصل اليه يد التحريف ، ولن يطفئ نوره المشركون ولا الكافرون. وقال بعض المفسرين ان معنى الاية انه كتاب محفوظ عند الله ، والكتاب هنا كتاب في السماء (٥) ، ولكن
__________________
(١) المصدر / ص ٢٣ عن أمير المؤمنين (ع)
(٢) آل عمران / ٧
(٣) العنكبوت / ٤٣
(٤) ص / ٢٩
(٥) القرطبي / ج ١٧ / ص ٢٢٤