(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)
وقد تجلى الرب فيه بأسمائه ، وآياته ، ورسالاته ، وشرائعه ، وكتاب هذا شأنه يحجب عنه من اتبع هواه ، وتمكّنت الشهوات من قلبه ، لان معرفة الله معراج القلب اليه ، وحضور النفس في مقامه الأعلى ، فكيف يسمح لمن تراكمت عقد الذنوب على قلبه بذلك؟! حاشا بذي العرش ان يسمو الى مقامه الذين اخلدوا الى الأرض واتبعوا أهواءهم!
(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ)
انه حديث عظيم لا بد من أخذه بقوة وعزم ، والاستقامة عليه في مواجهة الضغوط. أما اللين في أمره ، والاستسلام للضغوط بالاعراض عنه ، فهو لا يتناسب وعظمة القرآن. وهذا المعنى هو المفهوم من مختلف الآراء في تفسير المدهن ، قالوا : مكذبون ، وقالوا : منافقون ، وقال بعضهم : ممالقون الكفار على الكفر به ، وقال آخر : المدهن الذي لا يعقل ما حقّ الله عليه ويدفعه بالعلل ، وقال بعض اللغويين : مدهنون تاركون للجزم في قبول القرآن (١). وقال آية الله الشيرازي : متهاونون ، كمن يدهن في الأمر أي يلين جانبه تهاونا ، وأصله استعمال الدهن للين الجسم (٢) ، ومنه قول الله : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ* فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ* وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ* وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) (٣).
ونستفيد من الاية انه لا يجوز لأحد التهاون في احكام القرآن في اي حال ، ولأي سبب ، لأنه حديث الله المفروض تطبيقه والالتزام به على الخلق ، ولا يجوز ان يبرر
__________________
(١) القرطبي / ج ١٧ / ص ٢٢٨
(٢) تفسير تقريب القرآن للأذهان / الموضع
(٣) القلم / ٧ ـ ١٠