قلوبنا؟! أو نقتنع من أنفسنا أن نأكل ، ونشرب ، ونتمتع. أو لأنا نجد فراغا كبيرا لا بد أن نملأه بغير اللذات العاجلة.
اننا نسعى جميعا نحو العلم والفضيلة ، ونعطي لهما قيمة أسمى من قيمة الثروة والقوة ، ونتساءل : ما هي أعلى درجات العلم؟ أو ليست معرفة الله الذي نعرف به حقيقة أنفسنا ، والواقع المحيط بنا. فمن دون معرفة الله تبقى كل الأسئلة حائرة.
كذلك أسمى درجات الفضيلة تقوى الله ، وابتغاء مرضاته ، والقرب منه.
وتتلخص معرفة الله وتقواه في كلمة العبادة ، التي يجعلها القرآن الكريم غاية خلقة البشر فيقول :
(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)
فما هي العبادة؟ قالوا : أصل العبودية الخضوع والذل ، والتعبيد : التذليل ، يقال : طريق معبّد (١) ، ويبدو لي أن أصل معنى العبودية ليس التذلل والخضوع ـ كما قالوا ـ بالرغم من أن ذلك من لوازمها ، بل صلاح الشيء بحيث يكون مهيأ للاستفادة أو بتعبير آخر : عدم وجود ما يمنع الانتفاع منه ، ولذلك قيل سفينة معبّدة وو انما سمي الطريق معبّدا لأنه خال من الثغرات والعثرات ، والا فان كل الطرق وكل الاراضي خاضعة وذليلة ، فلما ذا لا تسمى بالمعبدة؟ وإنما سمي الرقيق عبدا لأنه لا يمتنع عن طاعة مولاه ، وهكذا يكون أصل الكلمة الطاعة والتسليم.
فما معنى عبادة الله وما هي أبعادها؟ هنالك حقائق لا بد أن نعرفها لكي نعرف شيئا عن عبادة الله :
__________________
(١) القرطبي / ج ١٧ ـ ص ٥٦.