هكذا تتواصل الآيات تستزيح من نفس الإنسان حالات الجدل واللعب والتهرب من الحقائق بالاعذار التافهة ، ولكي لا يستريح الإنسان إلى الرخاء الظاهر والأمن الموقّت الذي يعيشه اليوم لا بد أن يتحسس ذلك اليوم الذي يهتز فيه كل شيء ، من السماء التي كانت سقفا محفوظا ، إلى الجبال التي كانت ركنا شديدا.
ثم يرسم السياق لوحة بارعة الجمال تتجلى فيها صورة أهل الجنة وهم يتنعمون في جنات واسعة ، بعيدين عن عذاب الجحيم ، يأكلون ويشربون بما عملوا من الصالحات في حياتهم الدنيا ، وقد استراحوا على سرر مصفوفة ، وزوجهم الله بحور عين ، وحولهم الصالحون من ذريتهم ، ووفر الله لهم النعم من الفاكهة واللحم والكأس الكريم ، ويتذاكرون نعم الله عليهم أفليس قد كانوا مشفقين في أهلهم ، وجلين من عذاب جهنم ، فقد وقاهم ربهم بمنه عذاب السموم.
وبعد أن نشاهد هذه اللوحة التي تثير اشتياق النفوس الكريمة يتناول السياق ما يبدو انه الموضوع الرئيسي للسورة ، وهو معالجة حالة الجدل في الحقائق الواضحة ، وذلك بتسفيه الاعذار التي يتشبّث بها الإنسان للتهرب عن قبول الحق ، وهي مظاهر مرض الجدل الخطير .. لقد قالوا : إنّ الرسول كاهن أو مجنون ، وقالوا بل هو شاعر فإذا مات انتهت دعوته ، وقالوا انه افتراه .. كل تلك الدعايات تتلاشى حينما يضعها الإنسان في إطار الحقائق الكبرى ، ويتصور نعم الله التي يسبغها عليه (من (الطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) و.. و..) وعند ما يتحسس يوم القيامة عند ما (تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً ، وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) ، كذلك تتلاشى أفكار مشابهة مثل التفكير في عدم الحاجة إلى البارئ.
ويتساءل السياق : إذا هل هم خلقوا أنفسهم؟ أم أنهم خلقوا من غير شيء؟ ومن الذي خلق السموات والأرض؟ كلّا .. (بَلْ لا يُوقِنُونَ) ، وهذه هي مشكلتهم