يكون سببا تامّا لهما. وكما تتجلّى هذه الطبيعة في الإنسان الفرد فإنّها قد تتجلّى في شعب كامل وأمة كاملة ، وثابت عمليّا في تاريخ البشر ولدى علماء النفس أنّ بعض الشعوب تنتظر حالة الكره على القانون حتى تلتزم به ، وهو انتظار سخيف ، إذ شرف الإنسان وكرامته (فرد أو أمّة) يتمثّل في انتخابه الحر للخير والفضيلة ، وليس في تحويله إلى أداة طيّعة لإرادة قاهرة حتى ولو استخدمت في الطريق الصحيح.
هكذا كانت الهداية من مسئولية الإنسان ذاته ، أن يختارها ، ويسعى جاهدا إليها ، ويجأر إلى ربه لتوفيقه إليها .. ويكون دليله في كلّ ذلك عقله الذي يميّز له وبوضوح كاف سبيل الهدى عن طريق الضلال ، ممّا لا يدع له مجالا للتبرير ، وهو أكبر حجة لله عليه ، ولعلّ الكلمة التالية توحي بذلك :
(كَلَّا)
ليس تبريرهم مقبولا ، وليس سبب استمرارهم على الكفر عدم وجود هذا الشرط أو ذاك.
وقوله في الآية السابقة «كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ» إشارة إلى كون هذه الصفة مرتكزة في كلّ فرد فرد من البشر إلّا ما شاء الله ، وإلّا من ينتصرون عليها ويصلحون أنفسهم. ثم يبيّن ربّنا بقول فصل العامل الرئيسي في موقف الكفّار من قيم الدين وقيادة الرسول ، ألا وهو عدم حضور الآخرة في وعيهم.
(بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ)
إذن فطلبهم صحفا منشّرة والمعجزات الأخرى ليس إلّا تبريرا لموقفهم ، وغطاء لشيء آخر هو عدم الخوف من الآخرة ، فالآخرة إذن ليست فكرة مجرّدة يكفي