الحياة ، كما في الأطروحة الإسلامية للقيادة ، من أصعب الأمور على الإنسان ، باعتباره يفرض عليه الخروج من شحّ النفس وحبّ الذات ، ويحدّد مواقفه وتصرفّاته ، هذا في سائر الناس ، أمّا إذا كان من المترفين وأصحاب الوجاهة فالأمر أثقل عليه وأصعب ، حيث تتوق نفسه للرئاسة على الآخرين ، بينما النظام الإسلامي يفرض عليه الانصياع لأوامر القيادة الرسالية ، وربما التنازل عن المراكز الاجتماعية التي لا يستحقّها والأموال التي جمعها من غير حلّها .. وهذا ما لا يطيقه أبو جهل وأمثاله ، لذلك ترى كلّ واحد منهم يتمنّى لو يكون هو الرسول الذي يختاره الله فينزل عليه وحيه ، ومن ثمّ يفرض قيادته على الناس ، ويوجب عليهم الخضوع له. قال مجاهد : أرادوا أن ينزل على كلّ واحد منهم كتاب فيه من الله عز وجل : إلى فلان بن فلان (١). وفي الآية اعتراف ضمني من المشركين والكفّار بأنّ الرسالة فضل عظيم ، تمنّاها كلّ واحد منهم لنفسه لما فيها من الشرف.
الثالث : أنّ هذه الآية كشفت عن عقدة مستعصية عند الإنسان لا بدّ من الجهاد حتى يتغلّب عليها ، وهي تلك العقدة التي أشارت إليها آيات عديدة في الذكر تبيّن طلبات الكفّار الإعجازية ، مثل قوله سبحانه : «وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً» (٢) ، وقالوا : «ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً» (٣) ، فهذه الآيات ونظائرها تكشف عن عقدة أساسية عند الإنسان وهي أنّه ينتظر ما يجبره على اتباع الحق جبرا ، فتراه دائم الطلب بما يراه علّة لإيمانه أو يسوّف الإيمان والعمل الصالح إلى أيّام يزعم أنّه يجد فيها ما
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٩ ص ٩٠.
(٢) الإسراء ٩٠ / ٩٢.
(٣) الفرقان / ٧.