الإنسان وعقله يرفضان كفره وعصيانه ، ويعيش المجرم صراعا دائما معهما ولكنّه قد عقد عزمه عي المضيّ قدما مع شهواته ، فيتهرب من الوعظ والإرشاد حتى لا يدعم جانب عقله ووجدانه ، لأنّ الرسالة تكبح جماح الهوى ، وتحدّد تصرفّات النفس بالأحكام والنظم ، وتحمّله كامل المسؤولية في كلّ بعد من أبعاد الحياة الفردية والاجتماعية.
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً)
قال ابن عبّاس : كانوا يقولون : إن كان محمد صادقا فليصبح عند كلّ رجل منّا صحيفة فيها براءته وأمنه من النار ، قال مطر الورّاق : أرادوا أن يعطوا بغير عمل ، وقال الكلبي : قال المشركون : بلغنا أنّ الرجل من بني إسرائيل كان يصبح عند رأسه مكتوبا ذنبه وكفّارته ، فاتنا بمثل ذلك ، وقيل : أنّ أبا جهل وجماعة من قريش قالوا : يا محمد! ائتنا بكتب من ربّ العالمين مكتوب فيها : إنّي قد أرسلت إليكم محمدا (ص). نظيره : «وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ» (١). وما يريدونه محمول على ثلاثة أوجه :
الأول : أنّهم يريدون مشاهدة الرسالة الإلهية تتنزّل في قرطاس يلمسونه ، ويكون متميّزا معجزا من كلّ جهاته ، وما ذلك إلّا شرط تبريريّ للفرار من مسئولية الإيمان والطاعة للرسول ، وقد فضح الله هذه النوايا الخفيّة ، وكشف عمّا في قلوبهم من مرض فقال : «وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» (٢).
الثاني : أنّ الخضوع لقيادة الآخرين ، وبالذات الخضوع الشامل لجوانب
__________________
(١) المصدر ص ٩٠ بتقديم وتأخير.
(٢) الأنعام / ٧.