والمشركين إعراضهم عن تذكرته في الوقت الذي يتطلّعون إلى ذلك.
(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ)
قال مقاتل : الإعراض عن القرآن من وجهين : أحدهما الجحود والإنكار ، والوجه الآخر ترك العمل بما فيه (١) ، مع أنّ التذكرة إنّما جاءت من أجل نجاتهم (البشر) بتعبير القرآن ، وليس ضدهم ، فحقّ أن يستنكر القرآن موقفهم اللئيم من إحسان الله إليهم بالرسالة ، وأن يشبّههم بالحمير وصفا لواقعهم وحطّا من قدرهم.
(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ* فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)
والاستنفار من النفور المختلط بشعور الخوف والخطر ، والكلمة دخلت مصطلحا في علم العسكرية ، يقال : استنفر الجيش إذا توقّع وتأهّب لدفعه ، وفي المنجد : المستنفر الشارد المذعور (٢) ، والكلمة على وزن مستفعل ممّا يهدينا إلى أنّ المعرضين عن التذكرة يزيد أحدهم الآخر إعراضا ونفورا عن الحق ، كما يزيد أفراد القطيع من حمار الوحش بعضهم بعضا ذعرا وشرودا من سطوة الأسد الهصور حينما يهجم عليهم. والقسورة على الأقرب اسم الأسد حينما ينقضّ على طريدته ، من القسر بمعنى القهر ، أي أنّه يقهر السباع ، والحمر الوحشية تهرب من السباع (٣) كأشدّ ما يكون ، وسمّي الرامي والصيّاد قسورة لأنّه بسهمه يصطاد الصيد ويقهره ، وتقول العرب لكلّ رجل قويّ شديد قسورة لأنّه يصرع الأقران ، ويخافه الآخرون ، وما أبلغه من تشبيه تصويريّ رائع.
ولعلّ سائلا يسأل : لما ذا يفرّ البشر من التذكرة؟ والجواب : إنّ وجدان
__________________
(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٩ ص ٨٨.
(٢) المنجد مادة نفر.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٩ ص ٨٩.