عامل رئيسيّ من عوامل الجريمة والمعصية ، وهو الفهم الخاطئ لمفهوم الشفاعة الذي تنادي به كلّ رسالات الله ، حيث التمنّيات التي تحوّلها إلى مبرّر لممارسة الخطايا.
وإذا كان هذا الفهم تبلور لدى اليهود في نظرية البنوّة وشعب الله المختار ، ولدى النصارى في نظرية الفداء ، فإنّ بعض المسلمين أيضا انزلق إلى مثل هذه المفاهيم والتمنيات ، ولكن بقوالب وتعابير مختلفة ، فقال البعض أنّ المسلمين خير أمّة أخرجت للناس ، وأنّ الله لا يعذّب أمّة فيها حبيبه النبي محمد (ص) ، وقال فريق : انّ الأولياء يشفعون له الخطايا من دون قيد وشرط ، والقرآن ينسف كلّ هذه التمنّيات الباطلة حتى لا يدع مجالا للإنسان يفرّ عبره عن تحمّل المسؤولية ، وقد حذّر أئمة الهدى من هذا الفهم الخاطئ للشفاعة ، قال أبو بصير : دخلت على حميدة أعزّيها بأبي عبد الله فبكت ، ثم قالت : يا أبا محمد لو شهدته حين حضره الموت وقد قبض إحدى عينيه ثم قال : «ادعوا لي قرابتي ومن لطف لي» فلما اجتمعوا حوله قال : «إنّ شفاعتنا لن تنال مستخفا بالصلاة» (١).
والآية القرآنية قوية في وقعها.
(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ)
لأنّ أحدا لا يشفع لهم ، وعلى افتراض ذلك لا تنفعهم ، فكيف وأنّ أولياء الله لا يشفعون إلّا لمن ارتضى ربّ العزة؟ وإنما عبّر القرآن بهذه الصيغة لينسف تصوراتهم الخاطئة والمغرقة في الأماني ، وليس لبيان أنّ أحدا قد يتقدّم للشفاعة في المجرمين ، بلى. إنّ الشفاعة حقيقة واقعية ولكنّها تنفع من تكون مسيرته الكلّيّة مسيرة صحيحة فتسقط عنه سيئاته الجانبية ، ولا تكون مسيرة الإنسان العامة سليمة إلّا بالإقبال على رسالة الله ، واتباع رسله وأوليائه ، من هنا يستنكر الله على الكفار
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار ج ٨٢ ص ٢٣٦.