فتفرّق المشركون على ذلك ، فبلغ ذلك النبي (ص) فتزمّل في ثيابه وتدثّر فيها (١) ، وقيل كان يتزمّل بالثياب أول ما جاء به جبرئيل خوفا حتى أنس به ، وإنّما خوطب بهذا في بدء الوحي ولم يكن قد بلّغ شيئا ، ثم خوطب (ص) بعد ذلك بالنبي والرسول (٢).
وقبل أن نبيّن رأينا في هذه الآية الكريمة نسجّل بعض الملاحظات حول بعض من الآراء ، فإنّ ما علّق به الزمخشري من حيث العبارة (يهجّن ... لا يهمّه أمر .. لا يعنيه شأن) ومن حيث المعنى لا يليق بمقام حبيب الله وصفوة أنبيائه ورسله وهو المعصوم ، والمهتم بأمر الرسالة إلى حدّ كاد يهلك نفسه من أجلها ، وتحمّل من الأذى لها حتى خاطبه ربّه سبحانه : «طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى» (٣).
وكذلك لا يليق بمقامه (ص) ما روي في الدر المنثور من أنّه تأثّر بإعلام الجاهليين سلبيا فتزمّل وتدثّر في ثيابه! أمّا ما قيل من أنّ النبي (ص) كان يتزمل خوفا أو ذهب إلى خديجة قائلا : (زمّلوني زمّلوني .. دثّروني دثّروني) أوّل ما اتصل بالله عبر أمينه جبرئيل حتى أنس به .. هذا الرأي الذي تبنّاه بعض المفسرين ، فإنّه أبعد ما يكون عن طبيعة الأنبياء وشخصية سيدّهم الأعظم صلوات الله عليهم.
والسبب أنّ فيه شيئا من نسبة الشك في صحة الرسالة والاتصال بالله عنده (ص) ، وهذا نقيض قول الله عنه : «وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ* وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ* وَما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ» (٤)
__________________
(١) تفسير الدر المنثور ج ٦ ص ٢٧٦.
(٢) تفسير مجمع البيان / ج ٥ ص ٣٧٧.
(٣) طه / ١ / ٣.
(٤) التكوير ٢٣ / ٢٥.