والذي يبدو لي أنّ كلمة «المزمل» تحتمل معنيين :
الأول : ما أشار إليه عكرمة بأنّه المحتمل لأعباء النبوة ، فإنّ المتصدي لأمر الرسالة ومسئولية التغيير بها أحوج ما يكون إلى قيام الليل ، يستمد منه روح الإيمان وإرادة الاستقامة على الصراط المليء بالمصاعب والتحديات. جاء في المنجد : زمل زملا الشيء : حمله ، ازدمل الحمل : حمله بمرّة واحدة ، الزمل : الحمل (١).
الثاني : الذي لّف عليه ثيابه أو غطاءه على وجه الوصف لحال النبي حين نزل الوحي عليه بهذه الآيات ، وهو ظاهر اللفظ وفي الخطاب بهذه الكلمة فائدتان :
أولا : تلطّف وتعطّف ودلالة على قرب الرسول من ربه حتى يخاطبه بمثل هذا التعبير الذي يجري بين الأحبّة.
وثانيا : التوسّع إلى كلّ من يتزمل للنوم ، فإن الحديث يشمله انطلاقا من قاعدة : (إيّاك أعني واسمعي يا جارة) التي نزلت بها آيات الذكر الحكيم.
على أنّ المعنى الأول هو الآخر يتسع لكلّ من تحمّل أعباء الدعاء إلى الله ، وليس في هذا التعبير أدنى مساس بعظمة الرسول (ص) ـ كما زعم البعض ـ فإنّه بشر مثلنا يحتاج إلى الراحة والنوم. ولعل الرسول كان ينام أول الليل ليقوم في منتصفه وآخره ، موصلا قيامه بالليل بصلاة الصبح كما نقل عنه ، ويقوّي هذا الاحتمال اللّغة حيث جاء فيها : زمل الشيء بثوبه أو فيه : لفّه (٢).
[٢] وحيث ينتفض كلّ مزّمّل على نداء الوحي الإلهي المتوجه إليه يجد نفسه
__________________
(١) المنجد : مادة زمل.
(٢) المصدر.