ولقد مضى الكلام عن كلمة «لا» في القسم ، وخلاصة القول : أنّها تفيد معنى القسم ، وأنّ ما يليها من كلام في منزلة من الوضوح لا داعي معها إلى القسم (١) أو أنّ ما وراءها من حقيقة نقسم بها عظيمة نجلّها عن القسم ، وهما معا يفيدان معنى التفخيم. ولا حاجة للحديث هنا عن اختلاف المفسرين في تفسير هذه الصيغة القرآنية لكونه نقل في مواضع أخرى سبقت.
أمّا عن النفس اللوّامة فهناك أقوال كثيرة ، فعن قتادة : (أنّها النفس) الفاجرة يقسم بها (٢) ، وعن ابن عباس قال : المذمومة (٣) ، وهما رأيان بعيدان جدّا تخالفهما النصوص التي جرى استخدام الكلمة فيها على وجه الإيجاب ، كما يخالفهما المعنى اللغوي للوّامة ، وعن مجاهد : تندم على ما فات وتلوم عليه (٤) ، وعن الحسن قال : إنّ المؤمن لا تراه إلّا يلوم نفسه ، وإنّ الفاجر يمضي قدما لا يعاتب نفسه (٥).
والذي أختاره وتدلّل عليه النصوص أنّ في الإنسان نفسين : أحدهما تختار الباطل والفساد وهي الأمّارة ، والثانية تدعو إلى الحق والصلاح وهي اللوّامة ، ونعبّر عنها في الأدب الحديث بالضمير والوجدان ، وهذه النفس تستيقظ داخل الإنسان لتعاتبه على عدم العمل بالحق ، وتنهره عن اقتحام الباطل. وإنّما عبّر القرآن عنها بصيغة المبالغة (فعّالة) لأنّها كثيرة الملامة لصاحبها والنصيحة إليه ، فإذا ما استجاب لها نمت وأخذت موقعها ودورها الإيجابي في حياته ، وإذا أدمن الصدّ عن نداءاتها ومخالفتها تباطأت عن العمل فلا تعود تلومه على خطاياه كثيرا.
__________________
(١) راجع سورة الواقعة عند الآيتين (٧٥ ـ ٧٦) وما يليها.
(٢) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٧.
(٣) المصدر.
(٤) المصدر.
(٥) المصدر.