عَلَيْكَ حَسِيباً» فإذا أخذ في القرآن تلجلج لسانه من شدة الخوف ، وسرعة القراءة فيقال له : «لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ» فإنّه يجب علينا بحكم الوعد وبحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك ، ونقرأها عليك ، فإذا قرأناه عليك «فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» بالإقرار بأنّك فعلت تلك الأفعال (١). ومثل ذلك قال العلّامة البلخي ونصّ كلامه : وإنّما أراد قراءة العباد لكتبهم يوم القيامة ، يدلّ على ذلك ما قبله وما بعده ، وليس منه شيء يدل على أنّه القرآن ، ولا شيء من أحكام الدنيا (٢).
والذي يبدو لي في الصلة بين الآيات ما سبق من أنّ القرآن ـ إلى جانب يوم القيامة والنفس اللوّامة ـ حجة على الإنسان ومحكمة لعمله ، يكشف للإنسان الحق عند ما يرجع إلى آياته ، ويعرض نفسه عليها ، وينبغي للرسول أن لا يستعجل به بهدف إكمال الحجة على الناس ، بل يجب أن يتبع ما يقضى إليه بشأنه ، فإنّ ذلك يكفي لهداية من يريد الهداية ويبحث عنها ، أمّا الذين لا يريدون تحمل المسؤولية ، ويسعون دائما لإلقاء الاعذار والتبريرات (فلا يخافون يوم القيامة ، ولا يسمعون ملامة أنفسهم) فإنّ الاستعجال بالقرآن وعرضه كله عليهم مرة واحدة لا يغيّر في حياتهم شيئا أبدا ، والسبب أنّ مشكلتهم ليست قلّة الآيات ، بل كونهم لا يريدون الإيمان وتحمل المسؤولية ، فلما ذا العجلة إذا؟
كما أنّ علاج الإنسان المشتمل على كثير من الصفات السلبية ، كالجدل ، وحب الراحة ، والتبرير ، وإرادة الفجور ، ومن ثمّ التكذيب بالقيامة وبما تعنيه من مسئولية في الدنيا ، وبعث وحساب وجزاء في الآخرة ، إنّ علاجه من كلّ هذه الأدواء لا يتم مرة واحدة ، بل لا بد من منهجية تربوية مخططة ومتدرجة ، تنتشله من حضيض الباطل إلى قمّة الحق لتسمو به في آفاق الكمال والهدى. وهذا يقتضي
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٢٢.
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٩٧.