التدرج في طرح الإسلام عليه.
(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ)
قال ابن عباس : كان النبي (ص) إذا نزل عليه القرآن عجل بتحريك لسانه لحبّه إيّاه ، وحرصه على أخذه وضبطه مخافة أن ينساه ، فنهاه الله عن ذلك (١) ، وفي الدر المنثور عن مجاهد قال : كان الرسول (ص) يستذكر القرآن مخافة النسيان ، فقيل له : كفيناك يا محمد (٢) ، وعلى هذا الرأي مؤاخذات عدّة :
أوّلها : أنّ نهي الرسول (ص) عن فعل شيء ما لا يعني إتيانه له منذ قبل ، فليس صحيحا أنّه كان يخشى النسيان وهو على يقين بأنّ الله يلهمه القرآن ويثبّته في قلبه ، وقد نهى الله نبينا الأكرم (ص) عن أمور كثيرة من قبيل إطاعة الكفّار والمنافقين فهل نفهم من ذلك أنّه خضع لهم؟ حاشا لحبيب الله. ومن ذلك قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» (٣).
ثانيها : أنّه تعالى بيّن لنبيه (ص) بأنّه لا ينسى فقال : «سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى» (٤) ، والزعم بأنّ رسول الله (ص) كان قد خشي النسيان يعني (والعياذ بالله) أنّه شك في وعد الله وكلامه هذا له.
ثالثها : أنّ القرآن يشير بوضوح إلى باعث النبي على التفكير في الاستعجال بالقرآن ، وهو خشيته من أن تحول الظروف دون أن يجمع القرآن ويقرأ على الناس وتبيّن معانيه لهم. أو كان شديد الاهتمام بهداية الناس بالقرآن حتى كاد
__________________
(١) المصدر
(٢) الدر المنثور / ج ٦ ص ٢٨٩.
(٣) الأحزاب / ١.
(٤) الأعلى / ٦.